المشاعر السلبية المعتّقة
غالية خوجة
لا يستطيع الإنسان الحياة بلا وجدانات صافية، وعواطف إنسانية، ومشاعر إيجابية، وإلّا فإنه يبدو كائناً له قلب، لكن بلا نبضات.
وعلى الرغم من أن التطور التكنولوجي ساعد على تقريب المتباعدين، إلا أنه ساعد أكثر على تجميد العواطف، وبرمَجَها على طريقته الآلية. وعلى الرغم من ذلك أيضاً، نلاحظ أن هذا الفضاء الوجداني لا يتخلّى عن الإنسان مهما ادّعى غير ذلك، ويظهر مهما أخفاهُ عن الآخرين، يظهر حتى بينه وذاته، فلا مفرّ من لحظات تأمّل مع الذات وعواطفها في زمننا المتسارع.
ومما جعل الإنسان أبعد عن نفسه من نفسه ووجداناته، العديد من الأمور الحياتية، وتقلّبات الظروف، منها التفكك الأسري، والكوارث، والهجرة، والاغتراب، وابتعاد أفراد العائلة في البلد الواحد لأسباب اقتصادية، أو ابتعادهم لأسباب أخرى منها الإقامة في بلاد متعددة، فلم يعد غريباً، للأسف، أن تكون الأمّ في بلد، وأبناؤها في بلدان أخرى، وربما، كل ابن وبنت منهم في بلد، وكذا، حال الأخوة والأقارب، فما بالنا بالأصدقاء والمعارف!
وما زالت حياتنا تزداد تعقيداً، ولا ولن تفكّ ظلماتِها إلاّ المشاعرُ الإيجابية الناتجة عن الوعي بالذات والواقع والإحساس بالآخر، خصوصاً، بين صلة الرحم والعصب، أمّا تلك المشاعر السلبية التي لا تشعر إلاّ بأنانيتها وظروفها ومصاعبها، وتتمنى أن يكون الأهل والناس أضاحٍ لأجلها لتشعر أنها بخير، فتلك نفوس مريضة، معتلّة الوجدان، منقوصة الإحسان، امتلأت بوعي أو بلا وعي بالحقد المعتّق، واتخذت الانتقام هدفاً، سواء أكان انتقاماً من الأم أم الأب أم من أحد أفراد الأسرة، ووجدت هذه النفوس في ظروفها التي عاشتها ولم تكن ترضيها، فرصة للتخطيط للانتقام، لعلها تُفرغ جزءاً من مخزونها السلبي المعتّق، فتسمّم الآخرين بسمومها مهما كانت صلة قرابتها بهم قريبة، وحتى قريبة جداً، لأنهم لم يخدموا مصالحها، ولم يكونوا كما تريد.
والمؤسف أكثر، أننا أصبحنا في زمن ينتظر فيه الآباء والأمهات رضا أولادهم! هؤلاء الأولاد الذين نسوا كيف ومن أين أتوا، ويحملون صبغيات والدتهم ووالدهم الموروثة ويورثونها لذريتهم أيضاً.
ما أقسى أن تعاني الأمّ الوالدة أبغض الحلال إلى الله، وما يتبعه من إيذاء الأبناء والمجتمع، وما أقسى أن تسمع من أبنائها دعواتهم عليها بالموت لمجرد أنها لم تستطع على حياتها الزوجية السابقة صبراً!.
وما أصعب أن يعامل الأبناء والدهم بقسوة ونفور لدرجة التبرّؤ منه في حالة الانفصال، أو موت الزوجة التي هي أمّ هؤلاء الأولاد!.
نحن في زمن يتدحرج بقيمنا و”ناموسنا” إلى حالة مجهولة، ولكي لا تصبح هذه اللاأخلاقيات نبراساً، أرى أن تسعى الجهات المعنية إلى إيجاد حلول مناسبة، منها إنشاء منظومة متكاملة من البحاثة في علم النفس والاجتماع، تساعد الأهل والأبناء والجهات التربوية والتعليمية والمختصة الأخرى على التوعية بضرورات التواصل الإنساني الطبيعي الواقعي، وخصوصاً، العائلي، بالإضافة إلى دور جديد ومحدث للجهات القانونية بضرورة إيجاد حلول قانونية ملزمة تجاه ما يحدث مع الأم والأب والأخوة، لأن ما نعيشه في زمننا الراهن، لم نكن نتصوره ذات لحظة، ولا يمتّ لقيمنا العربية والشرقية والحضارية بأي صلة.