المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي 48.. محاضرة في مخيم العائدين بحمص
حمص- عبد الحكيم مرزوق
شهدت فلسطين خلال العقود التي سبقت النكبة، نهضة ثقافية، تنوع الإنتاج الثقافي فيها ما بين الشعر والرواية والأدب القصصي والترجمة والمسرح والسينما، وقد ساهمت كوكبة من الشعراء والكتّاب في إثراء المشهد الثقافي.
بهذه الكلمات بدأ ماجد دياب، الباحث في الشأن الفلسطيني، محاضرته عن المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 1948، مشيراً إلى أن أول مطبعة دخلت إلى القدس في فلسطين كانت عام 1846، حيث انتشرت بعد ذاك المطابع في باقي المدن الفلسطينية.
وبحسب وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينة فقد صدر 1400 كتاب ومخطوطة في فلسطين ما بين عامي 1900- 1948 تناولت موضوعات في الأدب والسياسة والفلسفة والتاريخ والفقه، وألفها نخبة من المفكرين والمؤرّخين والأدباء والباحثين الفلسطينيين. كما صدر خلال الفترة ذاتها 250 صحيفة ودورية، وكانت مدن يافا وحيفا والقدس عواصم للصحافة الفلسطينية، وذكر مؤرّخون أن صحيفة “الكرمل” 1908 في حيفا هي أول صحيفة سياسية فلسطينية صدرت بمبادرة من الصحافي نجيب نصار.
وفي ظلّ الانتداب البريطاني تطورت الصحافة في فلسطين مع تطور الأحداث السياسية حتى أصبحت تشكل حالة فريدة في بلد محتل لا يزيد عدد سكانه عن مليون ونصف المليون، منهم 30% أميون، وتصدر فيه 18 صحيفة صباحية، وثلاث صحف مسائية، وعدد من الصحف الأسبوعية والشهرية.
وقبيل انتهاء الانتداب كانت جريدة “فلسطين” الصادرة عام 1932 من بين أقدم الصحف اليومية العربية الأربع التي كانت ما تزال تصدر، وأوضح دياب أن المشهد الثقافي الذي كان قائماً تلاشى دفعة واحدة تحت وقع النكبة، بعدما انهارت بناه ومنابره وتشتّت مبدعوه ونشطاؤه، مشيراً إلى بعض الأدباء الذين تحدثوا عن ذلك ومنهم غسان كنفاني، وحنا أبو حنا، وسميح القاسم، ومحمود درويش، وتوفيق زياد.
وأشار المحاضر إلى بروز مساهمات في المسرح والقصة القصيرة في مرحلة لاحقة، منها مسرحية بعنوان “بيت الجنون”، ومسرحية “لن يجف الدمع” لتوفيق فياض، وقصة “رمال ودموع” لـ فوزي الأسمر، وقصة “رنين الأجراس” لـ عبد الرحمن محمد سعيد. كما شهدت إنتاجاً قصصياً يلحظ فيه لجوء الكاتب إلى الرمزية في تناول موضوع القصة، ولاحظ المحاضر غلبة الشعر في المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48، ورأى أن ذلك أمر طبيعي لأسباب عدة، أبرزها أن هذا النوع من الأدب أكثر تجذراً ورسوخاً في الثقافة العربية عن غيره من الأنواع مثل الرواية والمسرح والقصة القصيرة حديثة العهد، وهو نتاج فردي لا يحتاج لأن يكون مطبوعاً كي يصل إلى الجمهور، كما لاحظ أن كل قصيدة نعى قائلها الشهداء، أو أطلقها شاعر، كانت جميعها تزخر بالاعتزاز وتحدي القاتل أو السجان وتسخر منه.
ورأى دياب أن نجاح المثقف الفلسطيني في أراضي الـ 48 في إعادة المشهد الثقافي، وإفشال محاولات تدجين الحركة الثقافية الفلسطينية يعود إلى كثير من الأسباب أبرزها انخراطه المبكر في العمل السياسي من جهة، وتأثير المثقفين والكتّاب المخضرمين الذين بقوا في فلسطين بعد النكبة من جهة أخرى، حيث لعب هؤلاء دوراً مهماً في صيانة الجذور التي أفرعت التجربة الثقافية الفلسطينية قبل النكبة.
كما شهدت تلك الفترة حضوراً قوياً لعدد من الشعراء الشباب، حيث كانت قصائدهم علامة فارقة في الشعر الفلسطيني ومن أبرزهم: سميح القاسم، ومحمود درويش، وراشد حسين، والذين شكلوا مع مبدعي الجليل خطاً شعرياً مميزاً في الشكل والمضمون امتد تأثيره إلى الحركة الشعرية العربية، واحتلوا مكاناً مرموقاً في صدارة رواد الشعر العربي الحديث.