دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة ليست صديقة أحد

عائدة أسعد

إن الولايات المتحدة، من خلال بيعها المستمر للأسلحة إلى تايوان، تقدّم للعالم سبباً خطيراً آخر للقلق بشأن مستقبل السلام والاستقرار العالميين، ويبدو أنها يائسة من استخدام كل السبل الممكنة لاحتواء الصين، وإطالة أمد الصراع الروسي الأوكراني وتوسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً، وتحويل المعاهدة عبر الأطلسي من معاهدة دفاع إلى تحالف عسكري هجومي، ما يجعل الكثيرين يتساءلون أين يندلع الصراع التالي!.

وتشير تصرّفات الولايات المتحدة إلى أنها تعدّ تايوان للصراع بحجّة أن البر الرئيسي الصيني يبدو مستعداً لاستخدام القوة لإعادة توحيد تايوان مع الوطن الأم، وقد ظلت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية سنواتٍ تحدّد مواعيد نهائية خيالية لهجوم البر الرئيسي على الجزيرة، لكن كل تلك المواعيد مرّت دون وقوع أي حوادث وقاموا حالياً بتمديد الموعد النهائي حتى عام 2027.

والولايات المتحدة تتجاهل المنطق البسيط المتمثل في أن الصين غير قادرة على شنّ حرب ضد نفسها، لأن شنّ هجوم على الجزيرة من شأنه أن يؤدّي إلى ذلك على وجه التحديد، كما تتجاهل واشنطن عمداً حقيقة مفادها أن هناك صيناً واحدة فقط، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وأن كل دول العالم تقريباً تعترف بهذه الحقيقة العالمية.

كما أن الولايات المتحدة تعلم أيضاً أن بكين تريد تحقيق إعادة التوحيد السلمي لتايوان مع الوطن الأم، لكنها ترفض استبعاد استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف في ضوء محاولات القوى الانفصالية في الجزيرة المطالبة باستقلال تايوان بتعهّد غير ضمني ودعم من الولايات المتحدة.

ووفقاً للبيانات المشتركة الثلاثة، التي وقعت عليها الولايات المتحدة وتدّعي أنها ملتزمة بها، فإن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، والحقيقة أنه على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، اعترفت الإدارات الأميركية بأن تايوان جزء من الصين، وحتى إدارة جو بايدن تكرّر التأكيد أن علاقات واشنطن مع بكين تقوم على مبدأ صين واحدة.

ومع ذلك، بقيت الولايات المتحدة تبيع كمياتٍ ضخمةً من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى تايوان في انتهاك لمبدأ الصين الواحدة، في حين دعمت القوات الانفصالية في الجزيرة، ونتيجة لذلك كثفت القوات الانفصالية أنشطتها المؤيدة للاستقلال.

وتقول واشنطن إنها ملتزمة بمساعدة تايوان على حماية أمنها بموجب قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، من خلال تزويدها بالأسلحة، ولكن من خلال عسكرة تايوان، تتراجع الولايات المتحدة عن الالتزامات التي تعهّدت بها في البيانات المشتركة الثلاثة، وهي تنتهك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758.

لا ينبغي للولايات المتحدة أن تتدخل في مسألة تايوان لأنها شأن داخلي للصين، ولكن نظراً للسياسة ذات الوجهين التي تنتهجها، تبدو عازمة على تقويض التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في الصين، من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية، وفي محاولة لإضعاف الصين على جبهة التكنولوجيا، حظرت الولايات المتحدة بعض شركات الاتصالات الصينية والتطبيقات الصينية الصنع، مثل تيك توك، كما أنها تريد فرض هيمنتها الكاملة على منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال استخدام جزيرة تايوان الصينية كبيدق في لعبتها الجيوسياسية.

كما أن فشل الولايات المتحدة في إضعاف روسيا من خلال التحريض على الصراع في أوكرانيا، وتزويد الأخيرة بالأسلحة والمعدات العسكرية بشكل مستمر، جعلا العالم يدرك أن الولايات المتحدة تفقد مكانتها كقوة عظمى ويتوجّب عليها ألا تخلط بين تايوان وأوكرانيا، ففي حين أن أوكرانيا دولة ذات سيادة، فإن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، والأمر الأكثر أهمية هو أن أوكرانيا أدركت، من خلال تجربتها المؤلمة، مدى التكاليف الباهظة التي قد يتحمّلها وجودها في المدار الجغرافي الاستراتيجي للولايات المتحدة.

وصحيح أن جزيرة تايوان معروفة بازدهارها وأنها رائدة عالمياً في تصنيع أشباه الموصلات المتطوّرة، ولكن إذا صدّقت النخب السياسية والقوى الانفصالية في الجزيرة رواية الولايات المتحدة الافتراضية بشأن استقلال تايوان، فلن يؤدّي ذلك إلا إلى جلب الكارثة على الجزيرة، فالولايات المتحدة ليست صديقة لأحد.

لذلك، ينبغي على السلطات التايوانية ألا تسمح للولايات المتحدة بأن تقودها نحو الكارثة، وخاصة أنها ستستخدمها كبيدق في ألعابها الجيوسياسية وستتخلى عنها بمجرد أن تشمّ رائحة تهديد لمصالحها الخاصة.

والأمر الأكثر أهمية هو أنه لا ينبغي لسلطات الجزر أن تتجاهل حقيقة مفادها أن المزيد والمزيد من الدول يتطلع إلى الصين لاستعادة السلام والاستقرار في المناطق المضطربة.

وعلى الرغم من التحرّكات الاستفزازية التي تقوم بها الولايات المتحدة، فإن الصين لا تزال ملتزمة بتعزيز السلام والتنمية في مختلف المناطق، وتحسين العلاقات الدولية.

إن العلاقة الصحية بين الصين والولايات المتحدة تشكّل أهمية بالغة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاستراتيجي العالمي، ولكن في حين تسخّر الصين جهودها لتعزيز الوئام العالمي، فإن الولايات المتحدة تسعى جاهدة إلى الحفاظ على هيمنتها العالمية، وعلى الرغم من مخطط واشنطن الشرير، إلا أن الصراع بين الجانبين ليس أمراً حتمياً، لأن هناك العديد من نقاط الالتقاء بينهما لبناء عالم أكثر توازناً.