وداعاً للسياحة الشعبية..!!
علي عبود
لم يعد جائزا الحديث عن سياحة شعبية، فهذا النوع من السياحة اختفى نهائيا في سورية، والأفضل لمن كان يسوّق له استبداله بمصطلح “السياحة الداخلية”!
نعم، هناك فارق كبير بين السياحة الشعبية والداخلية، فالأولى تعني إن بإمكان أي أسرة تتقاضى الحد الأدنى من الدخل قضاء بضعة أيام في مخيمات الكرنك “الشعبية”، كما كان الحال ما قبل عام 2011، والثانية تعني إن بإمكان أي أسرة قضاء إجازة سياحية حسب دخلها، سواء في شاليهات الكرنك أم في فنادق الخمس نجوم.
وحسب دخل العاملين بأجر على مختلف تصنيفاتهم وتدرجاتهم، فإن دخلهم لايتيح لهم قضاء أيام قليلة مع أسرهم في خيمم أو شاليهات خشبية من التي وفرتها وزارة السياحة في طرطوس واللاذقية، وهي الأرخص بين كل العروض المتاحة في موسم الصيف أو الأعياد!
طبعا.. لا يمكن أن نلوم وزارة السياحة، ولا الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011، على عجز ملايين العاملين بأجر عن قضاء يوم أو أكثر على البحر، فاللوم، أولا وأخيرا، يقع على الجهات الداخلية والخارجية التي تآمرت على سورية، ودمرت اقتصادها، وتسببت بتدهور سعر صرف ليرتها من أقل من 50 ليرة للدولار إلى حدود الـ 15 ألف ليرة!
وإذا كان البعض يشير إلى وصول الحجوزات في المنتجعات الشاطئية في اللاذقية خلال عيد الأضحى المبارك بنسبة 100 % كدليل على “الرفاه” الاجتماعي، فإننا نسأله: متى كانت المنتجعات المتوسطة أو الفاخرة بمتناول الغالبية العظمى من السوريين؟
الفارق ما بين الأمس واليوم أن إجرة الغرفة في فنادق الخمس نجوم كانت تعادل أجر شهر من العاملين في القطاعين العام والخاص، في حين تعادل حاليا أجر خمسة أشهر لمن يتقاضى الحد الأدنى من الأجر؛ وفي الحالتين فإن منتجعات الخمس نجوم كانت وستبقى حكرا على المقتدرين وعلى السياح فقط!
الجديد والمستجد ان الأسرة التي كانت قادرة على تمويل سياحتها الشعبية قبل عام 2011 لم تعد قادرة على ذلك، فدخلها بالكاد يكفي أجور نقل للوصول إلى أيّ خيمة أو شاليه خشبي.
كما أن اعتذار موظفات الاستقبال للراغبين بالحجز في الفنادق والمنتجعات، بمختلف متدرجات نجومها، ليس جديدا، ولا مستجدا، فحتى ما قبل سنوات الحرب كان حجز غرفة أو شاليه خلال شهري تموز وآب، أو في الأعياد، يحتاج إلى معارف أو وساطة من العيار الثقيل، فلماذا الاستغراب من حالة ليست جديدة ولا مستجدة!
ربما الجديد إن الغالبية الساحقة من السوريين لا تريد التأقلم مع الوقائع التي أفرزتها الحرب، ويتحمل المسؤولية عنها المتآمرون على سورية، سواء من شريحة من أهلها، أو من الخارج، فمن يتحدث اليوم عن تكلفة الليلة في “سويت دوبلكس” بقيمة 3.5 ملايين ليرة يتسع لستة أفراد كأنّه يتحدث عن تكلفة “السويت” نفسه ما قبل عام 2011 بقيمة 11 ألف ليرة، علما أن الكلفة آنذاك كانت أعلى من اليوم. وبالتالي فبالنسبة للمقتدرين أو السياح، فإن تكلفة الغرفة أو “السويت” انخفضت ولم ترتفع!
الخلاصة.. ودّع ملايين العاملين بأجر ما كان يسمى سابقا “السياحة الشعبية”، ولن يعود هذا النوع من السياحة، في الأمد المنظور، إلا في حال تمكنت “حكومة ما” في القادم من السنوات بتحسين سعر صرف الليرة، أيّ بإعادة القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، وهذه أمنية يحتاج تحقيقها إلى معجزة إقتصادية!!