العيد العربي بين الشاشات والساحات
غالية خوجة
العيد طفل حزين مشرد جفّت دموعه على خدّيه لتصير ورودَ أملٍ للعابرين الذين يمسحون آلامه بالعاطفة الصادقة، ويقدمون له الحلوى و”العيدية”، فينتعش قليلاً بما تبقّى من ضمائر حيّة تجول بين الفقراء والمساكين والمصابين بالقذائف المعادية.
ومثل طواف الحمام حول الحرم، تطوف الأرواح لتغسل الجانب المظلم منها، وتستعيد الضوء إلى قلوبها، لتظل مبصرة، لاهجةً بدعوات التراحم والتحابب بين الناس كافة.
لكنّ أغلبية الناس ليست هي الناس، ولا صورتها المتراكمة في أعماق كل منا، لأن الحياة ما زالت تدخل في موجة عاتمة، وتخرج من موجة عاتية، وكأنها سفينة تواجه عواصف الشرّ الكامنة في النفوس، لعلها تصل إلى شاطئ هادئ، لتجد الأطفال ينتظرونها محمّلة بالعيد.
أطفالنا بسطاء مثل جيلنا الشاب وجيلنا المسنّ، يقنعون بأبسط أشياء العيد، لأنهم يوقنون بأن الطمأنينة والمحبة وصلة الأرحام والتواصل مع الأقارب والأصدقاء والجيران والمعارف هي العيد بفرحته اللامعة، لكن، أين هذا التواصل؟ وأين الزيارات القديمة؟
ولماذا الكثير من أسئلتي ما زالت تطل من المعالم الأثرية، والأحياء القديمة برائحة طقوسها المتمسكة بأطياف أهاليها المتحركة بين الجدران والأطلال والذاكرة؟
لماذا ما زالت تنشد مع المتنبي: “عيدُ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد، بما مضى، أم بأمر فيك تجديد، أمّا الأحبّة، فالبيداء دونهم، فليت دونك بيد دونها بيد”.
ستظل تلك المرحلة ذكرياتٍ ليست عابرة، كما الطفولة وأراجيحها العتيقة، وسيظل اللا وعي يبحث عنها في زيارات جديدة أينما كنّا على هذه الأرض التي صارت مجرد شاشة عملاقة للمعايدات، أو مجرد تسجيلات صوتية تكنولوجية، يفرضها الواقع الذي أصبح معتاداً أكثر من بساط الريح الخرافي الذي صار بشكل ما طائرة تنقلنا بين بلداننا العربية المميزة بهويتها الانتمائية، لأن العربي لن يشعر أنه غريب في أي شبرٍ من وطننا العربي الكبير الحبيب، وهذا ما يلمسه أي عربي يزور سوريتنا الحبيبة؛ وهذا هو، بجوهره وماهيته وتشابكه، ما يغيظ أعداءنا كعرب، لأننا نشعر، وحتى منذ اللقاء الأول مع أي إنسان عربي، بأننا من أسرة واحدة، وعائلة واحدة، وهذا ما يحاول تدميره الأعداء، لكنهم لن يفلحوا، لأن جذور هذا الانتماء وهويته العربية حالة إنسانية متميزة، ولغوية مكرَّمة، وحضارية متفردة، ومتجذرة في أعماق كل إنسان عربي، ولد، ويولد، وسيولد، متجذرة، تماماً، مثل عمر الأرض في الأرض، وعمر دورانها حول ذاتها وحول الشمس.
الأرواح تطوف، ودماء شهدائنا وجرحى الوطن تطوف وتطفو على الشاشات وفي الساحات معلنة انتصارها، وكذا دماء شهداء فلسطين تطوف وتطفو على الشاشات وفي الساحات معلنة اعترافات العالم بحقوقها الطبيعية في أرضها، وفي انتمائها العربي، وفي حقوقها الإنسانية الشرعية والتشريعية والجغرافية والتاريخية والحضارية.
العيد، أيضاً، يطوف مع القيم العربية والإسلامية التي تأبى أن ينام جائعاً مثل الكثير من الأطفال، وأغلب الناس تأبى أن يظل العيد بلا ثياب جديدة مثل غالبية الأطفال والنساء، لأن العيد يعلم بأن وطننا العربي متضافر و”ناموسه” عالٍ،، وما زال يهبّ لنجدة المظلومين والمتعففين والمعانين من الكوارث والحروب، رافضاً الحصار على العيد والناس والشعوب والأوطان.