خطوة أقرب إلى الإبادة النووية
عائدة أسعد
كان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ معروفاً دائماً بأنه داعية للحرب، وقبل أسابيع فقط من تقاعده المقرّر بعد قمة الناتو في واشنطن، يريد إضافة لقب داعية الحرب النووية إلى إرثه الدنيء.
لقد قال ستولتنبرغ لصحيفة تلغراف: “إن الناتو يدرس العدد المتزايد من الأسلحة النووية المتاحة لمواجهة التهديد المزعوم من روسيا والصين”، وأضاف: “لن أخوض في التفاصيل التشغيلية حول عدد الرؤوس الحربية النووية التي يجب أن تكون جاهزة للعمل وأيّها يجب تخزينه، لكننا بحاجة إلى التشاور بشأن هذه القضايا وهذا بالضبط ما نفعله”.
مثل هذه التصريحات العدائية غير المسؤولة الصادرة عن الأمين العام للأطلسي صادمة، لأنها دعوة إلى سباق تسلح نووي، بل حتى إلى حرب نووية من شأنها أن تقضي على الجنس البشري بأكمله.
ووفقاً لتقديرات الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية، التي صدرت مؤخراً، تشير التقديرات إلى أن الإنفاق العالمي على الأسلحة النووية قد قفز إلى مستوى قياسي قدره 91.4 مليار دولار في عام 2023 وتبلغ حصة الولايات المتحدة من إجمالي الإنفاق 51.5 مليار دولار، وهو أكثر من جميع الدول الأخرى المسلحة نووياً مجتمعة ويمثل 80 في المائة من الزيادة في الإنفاق على الأسلحة النووية في العام الماضي، وكانت الزيادة العالمية البالغة 10.7 مليارات دولار مقارنة بالعام السابق مدفوعة إلى حدّ كبير بالزيادة السريعة في الميزانية العسكرية الأمريكية.
وفي تقرير صدر مؤخراً عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تمتلك الولايات المتحدة 1770 رأساً نووية مُجهزة بالصواريخ أو موجودة في قواعد بها قوات تشغيلية، بينما تمتلك روسيا 1710 رؤوس، ويمتلك البلدان معاً 90% من الترسانة النووية العالمية.
وفضلاً عن ذلك، ثلاث من القوى النووية الخمس الكبرى في العالم هي أعضاء في حلف شمال الأطلسي، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، ومن السخافة أن يحاول ستولتنبرغ والبعض في واشنطن نشر الخوف في جميع أنحاء العالم من خلال الادّعاء أن الصين، التي لا تشكّل ترسانتها النووية سوى جزء بسيط من ترسانة الولايات المتحدة، تشكّل تهديداً نووياً لحلف شمال الأطلسي.
والأهم من ذلك أن الصين حافظت فترة طويلة على استراتيجية الحد الأدنى للردع للأسلحة النووية، وهي الدولة الأولى التي تتعهّد بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية، كما وعدت بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، ولعقود من الزمن ظلت الصين تحثّ الولايات المتحدة ودولاً أخرى على تقديم التعهّد نفسه، لكن مناشداتها لم تلقَ آذاناً مصغية في واشنطن وعواصم أخرى.
وأكّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان هذا الأسبوع، أن استراتيجية الصين تتمثل في الحفاظ على مستوى عالٍ من الاستقرار والاستمرارية والقدرة على التنبّؤ، وطلب من الصحفيين الانتباه إلى الاستثمارات الأمريكية الضخمة في تحديث ترسانتها النووية.
وعلاوة على ذلك، حذّرت مجلة ساينتفيك أمريكان في افتتاحيتها في كانون الأول من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على خطة الولايات المتحدة تحديث ثالوثها النووي غير المرغوب فيه وغير الضروري وغير الآمن، المؤلف من الأسلحة البرية والبحرية والجوية.
وجاء في الافتتاحية: “إن هذه القنابل المعدّلة، وهي مستعدة تماماً لخوض الحرب الباردة مرة أخرى، ستهدر 1.5 تريليون دولار وتهدّد الحياة على الأرض للقرن القادم، ويجب أن نعيد التفكير في هذه الحماقة البائسة بدلاً من تبديد ثرواتنا مرة أخرى أثناء قيادة سباق تسلح جديد”.
وأما بالنسبة لتهديد ستولتنبرغ، فقد أدانته حملة نزع السلاح النووي، وهي منظمة مقرّها المملكة المتحدة، لاستحضاره شبح حرب نووية، وقالت كيت هدسون، الأمينة العامة لاتفاقية الأسلحة النووية: “إن اقتراح ستولتنبرغ بأن يقوم الناتو بتوفير المزيد من أسلحته النووية بشكل عملي هو خطوة أخرى نحو حرب نووية ويجب معارضة أحدث جنون للناتو”.
إن عدم وجود تأييد علني لتحريض ستولتنبرغ على الحرب النووية من القادة الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، يظهر أنه ربما كان يردّد أصوات بعض مسؤولي البنتاغون.
لقد قام الناتو بتخريب الجهود العالمية لتعزيز نزع السلاح النووي منذ أن قصف ليبيا وغزاها لإحداث تغيير في النظام من خلال إساءة استخدام قرار الأمم المتحدة بشأن منطقة حظر الطيران في عام 2011، بعد سنوات من تخلي معمر القذافي عن برنامجه النووي، وقد جعل حلف شمال الأطلسي من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، على الدول التي تشعر بالتهديد من التحالف العسكري عبر الأطلسي، أن تقوم بتعليق برامجها النووية، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية مثال على ذلك.
يتعيّن على العالم أجمع، بما في ذلك زعماء الاتحاد الأوروبي، أن يدين تهديدات ستولتنبرغ باستخدام الأسلحة النووية، لأنه يدفع العالم خطوة أقرب إلى الإبادة النووية.