ربحية المؤسسات العامة متاهة رقمية تفتقد للوقائع الإنتاجية.. والمراجعة تكشف زيف التقييم!
دمشق- البعث
السؤال الذي يُطرح بشكل دائم دون أي إجابة يتمحور حول تقييم أداء مؤسّسات وشركات القطاع العام التي تتحايل الكثير من إداراتها عبر الحسابات المالية، لإظهار ربحية وهمية لهذه المؤسسة أو تلك الشركة، في حين أنها غارقة بالخسائر، وهذا ما يفرض ضرورة مراجعة ميزانيات المؤسّسات والشركات بشكل أساسي لمعرفة قيمة أرباحها الحقيقية، حيث إن بعض المدراء العامين يتباهى بربحية مؤسّساتهم غير الرابحة بالأصل وفق حسابات الميزانية الختامية للمؤسسة، على اعتبار أن نفقاتها أكبر من إيراداتها، فعلى سبيل المثال يورد بعض المدراء أمام رؤسائهم أن قيمة شراء مواد أولية لزوم الإنتاج بلغت 10 ملايين ليرة سورية، وتمّ بيعها كمنتجات بـ12 مليوناً، أي أن قيمة الربح الصافي من هذه العملية هي 2 مليون، لكنهم في حقيقة الأمر يخفون ما يلحق بها من نفقات إدارية ورواتب وأجور، فتكون المؤسّسة في نهاية المطاف خاسرة لدى حساب الميزانية الختامية لها.
الدكتور تامر الرفاعي أوضح أنه لدى معاينة مستوى أداء إحدى شركات القطاع العام يجب حساب قيمة موجوداتها وأصولها الثابتة، وخاصة الأرض والتي هي في حالة ارتفاع دائم، إلى جانب حساب المصاريف المترتبة عليها نتيجة التشابكات المالية بينها وبين الشركات العامة الأخرى وتصفيتها كفواتير الكهرباء والهاتف وغيرها من التراكمات حتى نستطيع الوقوف على الوضع المالي لهذه الشركات لنرى إذا كانت خاسرة أو رابحة، وبالتالي يمكن قياس أدائها بشكل دقيق.
وركز الرفاعي على أهمية قياس الأداء أولاً بأول وبشكل مستمر، وذلك من خلال تفعيل دور المواطن بحيث يعبّر عن مستوى رضاه عما يقدّم له من خدمات واعتماد أساليب تواصل معه كاستطلاعات الرأي، وهنا يجب على الإعلام أن يلعب دوراً كبيراً فيها، وعليه أن يكون شريكاً مهماً وإستراتيجياً في هذه العملية.
وأضاف الرفاعي أن العامل الثاني لقياس الأداء يتمثل بوجود جهة رقابية مستقلة ذات صلاحيات واسعة جداً وقادرة على محاسبة المقصّر الفاسد، ومكافأة المجد المثابر، كأن تُحدَث هيئة عليا لقياس الأداء الحكومي تقوم بمراقبة كلّ مفاصل عمل القطاع العام، ومحاسبة كلّ من لا يُقوّم أداءه بعد إعادة هيكلتها، لا أن يتمّ اللجوء إلى بيع المؤسسات الاقتصادية الخاسرة وإلحاق موظفيها بجهات إدارية أخرى تحت ذريعة الحفاظ على حقوقهم، فالأجدى إما البحث عن مشروع آخر يحقّق إيرادات للخزينة العامة للدولة، أو تطوير العمل بكل حيثياته وتفاصيله، بدءاً من الكادر البشري، مروراً بالآلات، وانتهاءً بالتسويق.
في حين يرى البعض أن الحلّ الأمثل لتحسين مستوى الأداء يتمثل بضرورة تعديل مراسيم إحداث هذه المؤسسات، كما يحدث الآن من مراسيم الدمج، وذلك بما يتماشى مع الواقع الراهن والمنافسة الحقيقية مع القطاع الخاص بحيث تمنح المؤسسات الاقتصادية التجارية والصناعية الاستقلالية في ميزانياتها، وأن تتعامل بمنطق الربح والخسارة مثلها مثل أي تاجر، لأن استمرار العمل بالأنظمة الحالية مع التطورات والوقائع الحاصلة في القطاعات الأخرى يزيد من تراجع أدائها ويوقعها في مآزق مالية لا يمكن أن تستمر.