ثقافةصحيفة البعث

طارق السوّاح: حزين على ندرة لوحات العجمي والقيشاني في دمشق القديمة

غسان فطوم

يعمل بكلّ طاقاته من أجل الحفاظ على التراث، وخاصة الدمشقي العتيق الذي تفوح منه رائحة الأصالة، التي شكلت منذ القدم هوية دمشق التاريخ والحضارة والإبداع.

إنه الرسام والمدرّس طارق السواح الذي يشهد له أهل الفن والتعليم، وطلابه أيضاً، بالخبرة والكفاءة لما لديه من مهارات عالية في الرسم العجمي وصنع الخزف الدمشقي -القيشاني- وصناعة الأفلام الوثائقية القصيرة التي أشرف عليها خلال سنوات تدريسه لطلبة المعهد التقاني للفنون التطبيقية، وفي الكليات الجامعية.

يجسّد السواح بكل لوحاته صوراً وحالاتٍ مهمّة جداً، تولّد عند المشاهد حالة من الارتياح النفسي، وهي على قلّتها مشبعة بروح الأصالة، وتعطي من يتمعّن فيها الأمل بعودة العجمي والقيشاني إلى حارات دمشق العتيقة، يقول السواح: “الفن لغة الشعوب ومرآة الحضارة ونبض حقيقي للمجتمع المحلي، وخاصة عندما يكون الفنان مبدعاً ومتقناً لعمله ومحباً لوطنه”، ولا يخفي حزنه من ندرة العجمي والقيشاني المشغول بأيدٍ دمشقية ماهرة في أسواق دمشق القديمة، مشيراً إلى وجود لوحات وخزفيات مستوردة من الصين وغيرها من الدول، وتباع على أنها صناعة البلد!.

ويرى السواح أن الأمر الأكثر خطراً هو محاولة طمس تراثنا بفعل تأثيرات العولمة التي تحاول تشويه تراث الأمم وإلغاء العقل الشبابي المبدع، ويطالب الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات المناسبة حتى لا تطغى تأثيرات العولمة على التعبير الثقافي بأشكاله المختلفة، الأمر الذي يهدّد بفقدان التميّز الثقافي والأصالة، ما يعني فقدان الفن لهويته المحلية، يقول: “أنا منذ فترة أبحث عن العجمي والقيشاني، وللأسف لم أجد إلا ما ندر من الحرفيين الذين يشتغلون فيه!”.

والحلّ كما يراه “عاشق التراث” يكون بدعم الحرفيين المهرة، والرسامين المبدعين، وتشجيعهم على الاستمرار، والعمل على إحداث معاهد ومراكز لحماية التراث والعمل على إحيائه ليبقى حيّاً في الذاكرة، وتطويره ليناسب العصر الحديث، مؤكداً أهمية الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لفنوننا التراثية غير المادية وحمايتها من السرقة، وخاصة الفسيفساء، والزخارف والمخطوطات والتماثيل وغيرها.

ويتحدّث السواح عن ورشات عمل أقامها في إسبانيا منذ سنوات، عُرض خلالها منحوتات وتماثيل في إحدى الحدائق في إسبانيا، مشيراً إلى تفاعل الجمهور معها لدرجة أنهم طلبوا كتابة اسم بعض الشوارع بالخط العربي، والأجمل كان رفع العلم السوري لأسابيع عديدة في تلك الحديقة، وأقام أيضاً معرض رسم على الماء أو ما يسمّى فن “الأيبرو” في بيروت وطرابلس، أيضاً لاقى إقبالاً جيداً نظراً لجمالية هذا الفن، وهو “أحد فنون تزيين الورق ويكون بالرسم على سطح الماء بعد تكثيفه باستخدام مواد صمغية ثم نثر الألوان على صفحة الماء باستخدام فرشاة خاصة ووضع ورقة على السائل المزخرف”.

وبسؤالنا عن مستوى الطلبة الدارسين في المعهد التقاني للفنون التطبيقية، الذي أمضى فيه سنواتٍ طويلة في التدريس، أبدى إعجابه بالمواهب الفنية التي لمس لديها شغفاً حقيقياً بالفن وخاصة في تخصّص الخط العربي والتصوير الضوئي، وقال: “يمكن الرهان على تلك المواهب”، متمنياً دعمها وتوفير مستلزمات النجاح لها، ومشيراً إلى أن البعض من طلبة المعهد حقق جوائز دولية.

وفي هذا السياق، يستذكر السواح مهرجان قلعة دمشق للسينما الطلابية الذي يقيمه المعهد التقاني للفنون التطبيقية، بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما، والذي يمثل فرصة للطلبة للاطلاع على التجارب السينمائية لبعض الدول المشاركة، ويساعدهم أيضاً في خوض تجربة الإعداد والكتابة والإخراج للأفلام، متمنياً العمل على سينما الشارع التي تعرض أفلاماً قصيرة في الساحات الرئيسية، وخاصة بعد إغلاق الكثير من دور السينما أبوابها، وبرأيه أن وجود سينما في الساحات بالمدن والبلدات يمثل فرصة لعرض أفلام قصيرة منتجة محلياً ذات مضامين جيدة تسلّط الضوء على قضايا ومواضيع يثار حولها الكثير من الجدل، وتؤثر في عقول الشباب بشكل خاص، أي هي محاولة للتوعية والإرشاد، في ظل انتشار المنصات الإلكترونية التي تقدّم محتوياتٍ منافية لقيم وأخلاق مجتمعنا، مع تأكيده أن سينما الهواء الطلق أو سينما الشارع تمنح الشباب الموهوبين فرصة لتقديم سينما شبابية تحاكي أحلامهم وأمنياتهم.

ودعا السواح إلى الإكثار من معارض التصوير الضوئي والرسم التشكيلي للفنانين الشباب، متمنياً عليهم التركيز في لوحاتهم على تجسيد قصة أو حالة، وليس مجرد لقطة تعجز عن تصوير الواقع وإيصال الرسالة.