منذر حسن: حوامل النص العمودي كثيرة وكتابته تحدٍ
طرطوس- هويدا محمد مصطفى
حين نقرأ قصائد الشاعر منذر حسن نقرأ ملامح الضوء على شرفات الوجود، وتغرقنا أسئلة الشعر وفضاءات المعنى بلغته المطرزة بفلسفة شاعر أتقن فن البلاغة الإبحار في عوالم قصيدته، ليترك بصمته الخاصة في عالم الإبداع، يكتب القصيدة العمودية وقصيدة الحداثة.
لا يعدّ حسن نفسه متصالحاً مع القصيدة التي يكتبها، يقول: “ليس كثيراً وخاصة حين يتعلق الأمر بالنصوص الحداثوية، أشعر بأنّها تجربة محفوفة بالمخاطر وأشعر بأنني أحبها، ويختلف الأمر حين نكتب نصّاً عموديّاً، فالنصّ العمودي حواملُه كثيرة، وكتابته تشكّل تحديّاً كيف نكتب نصّاً عمودياً من دون أن ننساق وراء سهولة النّظم، ومع هذا وذاك أبحث عن الفكرة التي ذكرتِها ربما في الصدق، مع أنه لا يكفي”.
وعن نظرته إلى تفسير مجهول الكتابة يبيّن: “لا أعرف إن كان سؤالك واضحاً، بكل الأحوال، يجب أن يكون للكاتب مشروع ما، غير تزجية الفراغ أو اعتلاء المنابر، فمحيطنا يصخب بالضحالة”.
يختار حسن عناوين جاذبة، فهل هذا يدلّ على وعي الكاتب، أم مكانه قبل أن يكتب؟، يوضّح: “يمكننا أن نستوعب بسهولة بداياتنا الكلاسيكية بالنظر إلى نوعية الثقافة التي تلقيناها، لاحقاً تتغيّر القراءات والتجارب.. العنوان الذي يدعو إلى الدهشة هو موضوعٌ آخر من حق الكاتب أن يتحرّاه بلغة مختلفة عن تحرّيه للغته في الشعر أو أجناس الأدب الأخرى”.
يكتب حسن كل الأنماط الشعرية، ويرى أنّ كتابة النصوص التقليدية قد تبدو أسهل، ولاسيما في محيط قبلي يتكاثر فيه النبّاشون، أما فنيّاً فيتمنّى أن يجد نفسه بعيداً عن المقارنة بين أجناس الأدب، وما يزال يعدّ الأنثى أكثر من قصيدة، ولعلها كل القصائد، وسواء أكانت هي الكاتبة أم الآخر، لا يمكن تخيّل أي فنٍّ إذا لم يكن عنها أو منها، يقول:
تخطو كموّالٍ فأنصتُ للهوى،
ما بين محتـارٍ بــــه، ومُــؤوِّلِ
يا خصرها المسكوب من قمح السما
إني لمحـتكَ
فاستجبتُ
فصرتَ لي
لكن ماذا عن قارئ اليوم؟ يبيّن حسن: “إنه يعتمد على الصورة البصرية أكثر، وهذا عائد إلى تغيّر أدوات الحياة، فكل المفاهيم ستتغير، أو تبدّل أثوابها.. ولا أجد أنّ هناك طقوساً معينة للكتابة، فمعظم الناس قد يفضلون ظرفاً على ظرف، سواء أردنا القيام برحلة أم مشوار، أم الترتيب لأي أمر، وهي اهتمامات تتغيّر من وقت لآخر”.
ويعتقد حسن أن كتابة النص النثري لا تعترف بالتجنيس الأدبي: “لأن الراحل سليمان العيسى قال إنّ القصيدة تكتبني، ومن يومها انتشرت هذه المقولة، وخاصة على ألسنة الصغار الذين تنتجهم المؤسسات الثقافية لدينا.. أدباء كثيرون يتحدثون عن عدم الاعتراف بالتجنيس في المنتج الإبداعي من زاوية ترك الأبواب مفتوحة للإبداع، والأمر يتوقف على الهوية الإبداعية لصاحب الجواب، أحب هذا الجواب إذا صدر عن المبدعين”.
وحول المشهد الشعري، يتحدث حسن: “بالتأكيد تأثرت بغيري، فكتابة الشعر ليست مجرد هواية، والموهبة وحدها لا تكفي، كما أن الانتقال من القصيدة العمودية إلى النص النثري لا يتأتّى من خلال قرارٍ صائب، يحتاج جهداً أكبر، أحد الأصدقاء اتهمني بأنني استفدت منه، وهذا صحيح سوى أنني لم أحب تحويله إلى تهمة، ما أراه مهماً هو أن نضيف شيئاً، حتى ولو لم يكن كبيراً، أتمنى أن يكون هذا المهمّ ممكناً، والحقيقة لا أحد مضطر لكتابة الشعر.. قلتها مرةً لمنبريٍّ يهاجم أقرانه، ويتابع قصيدتي، ولاحقاً لجوابي السابق، تأثرت بالمرحوم والدي الذي كان مدرساً للغة العربية، ونشر الشعر منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وجدت قصيدة له على صفحات مجلة “العرفان”، وأسعى إلى الحصول على أعداد قديمة من “النواعير” التي نشرت له، لديّ أمنية تتعلق بتحقيق شيء عنه وعن جيلهِ، لرصد الحالة الثقافية لدى الشباب في تلك المرحلة الغنية من حياة السوريين والتي لم يتسنّ لها أن تستمرّ، أو تتكرّر”.
أما القصيدة التي يحب أن تكون فهي “تلك التي تتعلق بالبدايات الحرة لنا كسوريين وتنطلق إلى آفاق الكون، لقد قرأت الكثير عن أولئك الذين يتحدثون عن القصيدة الكونية، لا أنتقدهم، هم يقصدون وسعاً آخر للشعر، ما أقصده أنا هو النص الذي يحمل هويتنا، وأرى أنني بدأت بالتنظير، لذا سأتوقف هنا، مع التأكيد أن ما ذكرته كان من باب حلمِ.. أن تكون لنا هوية”.
بقي أن نذكر أنه صدر للشاعر منذر حسن خمس مجموعات شعرية هي “كن عشبي الذي” و”أفرَدَ الحُسنُ هواه” و”شموخ السنديان” و”أدعوك فاتحة السحاب” و”دنيا”، ولديه مجموعة قيد الطباعة، ومعظمها من الشعر العمودي.