دراساتصحيفة البعث

ما هو خيار الاتحاد الأوروبي.. الحدّ من تغيّر المناخ أم الصين؟

عناية ناصر

من المتفق عليه منذ فترة طويلة،على الأقل من الناحية النظرية، أن تغيّر المناخ يشكّل التهديد الأكبر للإنسانية. ومع مرور كل عام، عزّزت موجات الحر القياسية الجديدة والفيضانات المدمّرة والحرائق المميتة وارتفاع مستويات سطح البحر التحذيرات شبه الإجماعية من علماء المناخ بأن أسلوب الحياة الحالي أصبح سريعاً غير مستدام. ومع ذلك، فإن الاتفاق بالكلمات شيء، وتقديم السياسات التي ستترجم هذه الكلمات إلى عمل فعّال شيء آخر تماماً. يتم اختبار هذا الآن بشكل كبير من خلال استجابة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لوصول المركبات الكهربائية الصينية إلى أسواقهما، وهو يطرح سؤالاً بسيطاً على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما هو الأهم بالنسبة لهما، مواجهة تهديد تغيّر المناخ، كما قالت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مراتٍ عديدة، أم احتواء الصين؟.

قدّمت الولايات المتحدة إجابة لا لُبس فيها، إذ إن قيام الرئيس الأمريكي جو بايدن بفرض الرسوم الجمركية بنسبة 100% من شأنه أن يستبعد فعلياً السيارات الكهربائية الصينية من السوق الأمريكية، ما يحرم الجميع، باستثناء الأمريكيين الأكثر رخاءً، الذين يستطيعون تحمّل تكلفة سيارة تسلا، من الوصول إلى السيارات الكهربائية، حيث إن غياب المنافسة الصينية من شأنه أن يخنق نموّ صناعة السيارات الكهربائية المحلية التي تلبّي احتياجات معظم الأمريكيين. ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة، موطن ثاني أكبر سوق للسيارات في العالم، ستفشل كثيراً في تحقيق أهدافها المناخية للنقل. لقد اتبعت الولايات المتحدة السياسة الاستبعادية نفسها تجاه الألواح الشمسية الصينية، على الرغم من أنها لا تمتلك سوى صناعة محلية صغيرة جداً خاصة بها. باختصار، أظهرت الولايات المتحدة أن عزل الصين يشكّل أولوية أكبر بكثير من تهديد الاحتباس الحراري العالمي.

وعلى النقيض من الولايات المتحدة، أعلنت أوروبا عن تعريفات جمركية تتراوح من 17% إلى 38%، بالإضافة إلى التعريفات الحالية البالغة 10%، مع مراعاة المزيد من التشاور مع شركات صناعة السيارات الأوروبية والصينية. ولطالما تعاملت أوروبا مع الاحتباس الحراري العالمي بجدية أكبر من الولايات المتحدة. ولكنها تواجه الآن المعضلة نفسها، وهي إلى أيّ مدى ينبغي لها أن تحمي صناعة السيارات الأوروبية ضد واردات السيارات الكهربائية الصينية على حساب أجندتها الخاصة بإزالة الكربون؟ وإذا اتبعت النهج الحمائي الأمريكي، فإنها ستسعى إلى استبعاد السيارات الكهربائية الصينية من السوق الأوروبية، وهي لا تفعل ذلك. ولكن ما هو الحل الوسط الذي ستتوصل إليه في النهاية بين حماية شركات صناعة السيارات الأوروبية وإعطاء الأولوية لالتزامها بإزالة الكربون؟ أو بعبارة أخرى، ما الدور الذي ترى أن السيارات الكهربائية الصينية تلعبه في مكافحة أوروبا للاحتباس الحراري العالمي؟.

كان الخطاب الغربي السائد على مدى السنوات القليلة الماضية يدور حول الحاجة إلى تقليل الاعتماد ليس فقط على أشباه الموصلات الصينية والتكنولوجيا المتقدمة، بل أيضاً على الاقتصاد الصيني بشكل عام. وكان هذا نتيجة لاعتقاد متزايد بأن الصين تشكّل تهديداً عاماً للولايات المتحدة، تفاقم بشكل كبير بسبب جائحة كوفيد-19، حيث كان الغرب يعتمد على خطوط الإمداد الصينية. ومع ذلك، تواجه هذه العقلية الآن شيئاً على نطاق مختلف تماماً، وهو تهديد وجودي لمستقبل البشرية في شكل الاحتباس الحراري العالمي وعواقبه الكارثية المحتملة، وما أدّى إلى تفاقم هذه المعضلة هو حقيقة أن الصين تهيمن على الإنتاج العالمي للتقنيات الخضراء الرئيسية الثلاث، السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وطواحين الهواء.

من المؤكد أن الجنوب العالمي سوف يعتمد بشكل كبير على الصين في توريد هذه المنتجات، ولكن ــ وهنا تكمن المشكلة ــ سوف يعتمد الغرب أيضاً على الصين. فقد شهد عام 2024 إدراكاً غربياً متزايداً بأن هاتين الأولويتين المختلفتين تسيران على مسار تصادمي. وإذا سادت الاستجابة على غرار الولايات المتحدة، مع اعتبار احتواء الصين الأولوية القصوى مقارنة بالاحتباس الحراري العالمي، فإن مستقبل البشرية سوف يبدو قاتماً للغاية. وإذا سادت الاستجابة المحتملة على غرار أوروبا، التي تقبل أن الصين لديها دور حاسم في مكافحة الاحتباس الحراري العالمي، وأن التكنولوجيا الخضراء الصينية لا غنى عنها في مكافحة أوروبا لتغيّر المناخ، فإن المستقبل سوف يبدو أكثر تفاؤلاً. ولابد من الإشارة بكل وضوح إلى الآثار الأوسع نطاقاً المترتبة على هذا، فأوروبا تحتاج إلى المنتجات والتكنولوجيا الصينية وسوف تعتمد عليها، والاقتصاد الصيني بالغ الأهمية لمستقبل أوروبا والعالم، ولا يمكن إقامة حاجز وقائي حول الاقتصاد الصيني دون عواقب كارثية على البشرية.

وأخيراً، أمضى الغرب العقود الأربعة الماضية متخلفاً عن منحنى الصعود الاقتصادي للصين، كما كان يتخلف عن الركب في كل مرحلة جديدة من مراحل التنمية في الصين، ففي عام 2015، أطلقت الصين خطتها الاستراتيجية لإنشاء اقتصاد متقدم ومبتكر للغاية بحلول عام 2025، ولم يكن الغرب ينتبه لذلك، والآن، اقترب عام 2025، وفي صناعة تلو الأخرى ــ السيارات الكهربائية، والطائرات التجارية، والألواح الشمسية، وطواحين الهواء، وبقية الصناعات ــ تحقق الصين بالفعل ما تصبو إليه. ولم يكن هذا سراً، ولم يتم عن طريق الخداع، ولم يكن بوسع الصين أن تكون أكثر انفتاحاً، ويتعيّن على الغرب أن يتعلم أن يأخذ الصين على محمل الجدّ وأن يقبل أن التعاون والاعتماد المتبادل يشكّلان حتمية تاريخية وضرورة مرغوبة.