من جحيمٍ إلى جحيمٍ أكبر
طلال ياسر الزعبي
رغم التكتم الشديد الذي تبديه القيادة العسكرية في جيش الاحتلال الصهيوني على الخسائر الفعلية التي يُمنى بها في قطاع غزة على يد المقاومة هناك، إلا أن كبار المسؤولين الصهاينة، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لا يزال “يذرّ الرماد في العيون”، على حدّ تعبير اللواء احتياط في الجيش الصهيوني اسحاق بريك، الذي أكّد أن نتنياهو يتغاضى عن هذه الخسائر، داعياً الإسرائيليين إلى الاستيقاظ قبل أن يورّط نتنياهو وغالانت وهاليفي “إسرائيل” في حربٍ إقليمية شاملة.
فقادة الكيان ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية يقرّون جميعهم باستحالة الانتصار في غزة، حيث يسقط المئات من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الصهيوني ولا يتم الإفراج إلا عن النزر القليل من الأرقام، وذلك في محاولة لإقناع الجنود بالاستمرار في القتال بعد أن بدأ ينتشر في صفوفهم رفضٌ واسعٌ للاستمرار به هناك، ولكن نتنياهو وأعضاء حكومته المصغّرة يصرّون على الاستمرار في تضليل الرأي العام الصهيوني المشتعل أساساً ضد الحكومة على خلفية معطيات الميدان التي تؤكّد أن الانتصار في غزة مستحيل.
ويبدو أن حكومة المجانين التي تحتل المشهد حالياً تحاول بشتى الوسائل الهروب من الواقع الحالي بفتح مواجهة على الجبهة اللبنانية، وذلك لتتهرّب من الإقرار بهزيمتها في غزة، ظنّاً منها أن فتح جبهة حرب كاملة في لبنان يمكن أن يعفيها من الإقرار بذلك، وأنها تستطيع الهروب من المصير الحتمي من خلال التعويض بحرب على لبنان، دون أن تدرك أن الجحيم الذي ينتظرها هناك أكبر بكثير مما تعرّضت له في غزة، حيث يعاني الجيش الإسرائيلي حالة من الرفض والخوف من فتح جبهة في لبنان بعد الإنهاك الشديد والرعب اللذين تعرّض لهما خلال العدوان المستمر على غزة، ما يؤكّد أن الحالة التي يعيشها قادة الاحتلال من خلال التلميح بحرب وشيكة على لبنان، ليست هروباً إلى الأمام كما قد يظنون، بل هي هروب من جحيم إلى جحيم أكبر، وهذا ما حذّر منه أحد المسؤولين الصهاينة بقوله: إن نتنياهو “يريد تدمير إسرائيل”.
ورغم أن سماحة السيد حسن نصر الله حذر الصهاينة من مغبّة الإقدام على هذا العمل، إلا أن المأزق الذي يعانيه قادة الاحتلال في غزة بعد تسعة أشهر من فشلهم في تحقيق نصر عسكري عليها، ربما دفعهم إلى التعويض عن هزيمتهم في غزة بحرب على لبنان كما قال القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني الذي أكد أن “لبنان سيكون جحيماً بلا عودة للصهاينة”، حيث سيجد الجيش الصهيوني نفسه في أتون حرب شاملة مع المحور بالكامل.
في الحقيقة، لن تكون هناك خطوط حمر أمام المقاومة إذا ما غامر نتنياهو المهزوم بفتح جبهة لبنان، فما لم يعلن عنه المقاومة الوطنية اللبنانية صراحة من أسلحة متطوّرة ربّما عبر عنه سماحة السيّد بإشارته إلى قدرة المقاومة على الحرب براً وبحراً وجوّاً، ما يعني أن ما شاهدته “إسرائيل” في غزة سيكون مجرّد نزهة بالقياس إلى الحنوب اللبناني، وليس ذلك فحسب، بل ما شاهدته البحريتان الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، سيكون هو الآخر سيناريو مصغّراً لما يمكن أن يكون الحال عليه إذا ما حاول الطرفان، بل الناتو مجتمعاً، التدخل لحماية “إسرائيل”، فالأمر هنا بين أن تختار واشنطن كبح جماح المجانين في الكيان لوقف حرب الإبادة على غزة، وبين حرب عالمية ثالثة، بل انهيار كامل للنظام العالمي السابق، فماذا هم فاعلون؟