حدائقنا ..؟!
بشير فرزان
استوقفتني بشاعة المقطع المتداول عبر صفحات التواصل الاجتماعي لطفل وطفلة في بحرة عامة بإحدى المحافظات، وهما يسبحان ويمارسان الفعل المنافي للحشمة على مرأى من المارة. وطبعاً هذا المشهد كان صادماً، فحدائقنا باتت شبه مسرح لمثل هذه الحالات اللا أخلاقية. ويخشى أن هذا المشهد يمثل مرآة للمجتمع الجديد، وخاصة لجهة الانحراف السلوكي الذي، وللأسف، بدأ ينتشر بشكل مخيف منذ سنوات؛ وعلى الرغم من إدراك الجهات المختلفة لخطورته، إلّا أنها لم تقم بأخذ التدابير الوقائية اللازمة التي تعالج المشكلة من جذورها.
وكما قلنا، هو مشهد بات مكرراً أحياناً في الأزقة والشوارع وخلف أشجار الحدائق العامة التي خُصّصت للاسترخاء في أيام العطل، إلّا أن الحدائق والساحات، وغيرها من الأماكن العامة، أصبحت مكاناً للممارسات غير المنضبطة أخلاقياً أو اجتماعياً، وكلّ ذلك بـ “تسهيل” من بعض المشرفين على هذه الحدائق االذين يحاولون استغلال وظيفتهم للارتزاق بكافة الطرق، سواء من خلال “التغطية” على هذه المشاهد المقرفة والمسيئة للمجتمع، أو عبر استثمار الحديقة وتحويلها إلى مراكز بيع للممنوعات والمشروبات غير المرخصة، وهنا نسأل المحافظة المعنية عن مسؤوليتها عن انتشار هذه التصرفات، وعن موظفيها الذين أهملوا واجباتهم الأساسية في رعاية هذه الحدائق وكافة الأماكن العامة، وتعاونوا مع تلك الفئات الشاذة في تخريب المنظر العام وممارسة أبشع أنواع الجرائم الأخلاقية.
للأسف، الحدائق العامة لم تعد ذلك المكان الذي يبحث فيه الناس عن الهدوء والراحة واستجماع الطاقة الإيجابية، بل أصبحت مع مشاهد العناق والضمّ والتقبيل والحركات والإيماءات المقززة والأحاديث الدونية وصراخ الشتائم أوكاراً مؤذية، وما يوجع أن ضحايا هذا الواقع الجديد هم أطفال يتبارون في سلوكيات الانحراف بكل أنواعها ضمن مجموعات دون أن يستطيع أحد إيقاف هذا الكابوس لأسباب عديدة، وفي مقدّمتها انعدام الاحترام والأخلاق، وخاصة مع إمكانية تعرّض المارة أو مرتادي هذه الحدائق للاعتداء بالضرب واستخدام كلّ الأدوات المتاحة ضد من يعترض أو يحاول تقويم سلوك أو إزاحة مشهد مخلّ بالآداب العامة.
وبالعودة إلى مشهد البحرة المباشر والذي نعتقد أنه جزء من سيناريو الانحلال المتفاقم، لا بدّ من التأكيد على أنه إدانة مباشرة للمحافظة المعنية ولجهات أخرى لها علاقة بالآداب العامة، وبيّنة لا تحمل التشكيك بأن الفوضى باتت أكثر حضوراً في الحدائق وغيرها من الأماكن العامة، فهل تقوم هذه الجهات بحملة نظافة وإعمار أخلاقي لهذه الأماكن وإعادتها إلى سابق عهدها كمتنفسات وللزائرين لها، أم أنها ستستمر بالمشاهدة و”الفرجة” وتترك الحبل على الغارب كما هي الحال حالياً؟!
ولا شكّ أن الإمعان في تجاهل هذه المظاهرة ساعد وسهّل بشكل كبير عملية اقتحام “الرذيلة الفاضحة” لعالم الأطفال، فعبثت به كالنار في الهشيم واخترقت براءته بسيل جارف من الممارسات التي لم نعهدها في حياتنا العامة، والتي لا تخدش الحياء العام فقط، بل تهدر كرامة المجتمع بصورٍ لم ولن نراها بهذه الفجاجة في أكثر المجتمعات المتحرّرة!!