تأكل الأخضر واليابس.. حرائق الغابات والمزارع تتزايد وأكثرها بفعل فاعل!
ليندا تلي
شهدت سورية زيادة ملحوظة في حرائق الغابات والحراج خلال السنوات الأخيرة الماضية، سواء أكانت مفتعلة أم غير مفتعلة، وزاد في اتساع رقعتها وعورة المناطق وقلّة الإمكانات والمعدات اللازمة وغياب الخطط المعدّة لمواجهتها. ورغم الوعود الكثيرة التي أطلقتها وزارة الزراعة بعد صحوة متأخرة لشقّ الطرق للتخفيف من الخسائر التي لحقت بالغطاء النباتي والأشجار المثمرة، إلا أنّها بقيت حبراً على ورق، والحقيقة أن فرق الإطفاء والدفاع المدني وحماية الحراج والجيش قدّموا أنموذجاً للبسالة.
أكثرها مقصودة
الدكتور علي ثابت مدير الحراج في وزارة الزراعة لم يخفِ أنه، من خلال متابعة الحرائق التي حدثت في السنوات السابقة، يتبيّن أن أكثر من 95% منها بفعل فاعل، ومنها ما هو غير مقصود نتيجة الإهمال، حيث تتسبّب الحرائق بإحداث تغيّرات كبيرة في نوعية وتركيب الغطاء النباتي الأصلي الموجود، وخسارة الأصول الوراثية للأشجار والشجيرات التي تعدّ أصولاً لأنواع معمّرة ذات أهمية كبيرة في تكوين الغابة، وخسارة النباتات الطبية والعطرية البرية المنتشرة، وخسارة التنوع الحيوي وزوال الغطاء النباتي كلياً أو جزئياً، ما يؤدّي إلى التقليل من الأهمية الاقتصادية لهذه الغابات وإزالة طبقة المادة العضوية وينعكس على خواص التربة الفيزيائية والكيميائية والحيوية، بالإضافة إلى تدمير الموائل الطبيعية للحياة البرية.
جهوزية وزارة الزراعة
تقوم الوزارة – وفق ثابت – باستنفار جميع الجهود والإمكانات المتوفرة لديها من عدد وأدوات وآليات خفيفة وثقيلة في جميع الدوائر والمشاريع، وتضعها في أهبّة الاستعداد، وإجراء عمليات الصيانة التامّة لها، والتأكد من جاهزية مراكز حماية الغابات، وتسمية مسؤول التزوّد بالوقود ومسؤول التوجيه والدلالة الطرقية، إضافة إلى تجهيز فرق وعمال الإطفاء وأبراج المراقبة، وتجهيز جميع الآبار ومناهل المياه ونقاط التزوّد بالمياه داخل وخارج المخطط التنظيمي على مستوى المحافظة وتحديدها جغرافياً بشكل واضح ودقيق، والتأكّد من جاهزية غرفة العمليات في المديرية وآلية الربط مع غرفة العمليات في المحافظة، ووضع خرائط توزّع مناطق الغابات والبنى التحتية، ودلالات الطرق وخطوط النار ومراكز المناهل ومصادر التزوّد بالمياه اللازمة للإطفاء وأماكن تمركز الإطفائيات لتكون دلالة للوصول إلى مناطق الحريق، والتأكّد من جاهزية الرقم المجاني 188 على مدار 24 ساعة للإبلاغ عن الحرائق.
تدابير احترازية
وبيّن مدير الحراج أن المديرية على متابعة دائمة مع منصة الحرائق لتحديد المناطق الأكثر حساسية للحرائق (المناطق الساخنة)، وتوجيه كلّ الجهود والإمكانات وتركيزها باتجاه هذه المناطق وتنفيذ تدابير احترازية مع المجتمعات المحلية، وتكثيف أنشطة التوعية والإرشاد الحراجي في القرى ضمن وجوار الغابة والمواقع الحراجية، وتشديد الرقابة ومنع إشعال وإضرام النار، وخاصة في أماكن التنزّه العامة المجاورة للحراج والغابات، وتحديد مفصّل لأدوار الجهات الأخرى ذات العلاقة في المحافظة (المؤسسة العامة للمياه ومديرية الموارد المائية – فوج الإطفاء – الدفاع المدني – الشركة العامة للكهرباء – الاتحاد العام للفلاحين- وزارة الدفاع – المجتمع المحلي..) مع تسمية مسؤول مع رقم جواله، من كلّ جهة وفي كلّ منطقة للتواصل والتنسيق السريع في حال حدوث حريق، وتفعيل عمل اللجان المكانية المشتركة في القرى المشكلة وفق القرار 40 لعام 2021 وتوزيع أعضائها على نقاط مراقبة محدّدة جغرافياً على مستوى المحافظة والنواحي، وموافاتنا بمواقع تمركزها وبأسماء أعضائها وأرقام جوّالاتهم، وتعمل الوزارة على تنفيذ خطتها في شقّ وترميم وتعزيل وقش الطرق وخطوط النار في المواقع الحراجية، وقد يحصل في بعض الأحيان تأخير في تنفيذ خطة الشقّ والترميم بسبب عدم توفر المحروقات بالكميات الكافية لعمل الآليات.
تراجع في العدد
وبالمقارنة بين عدد الحرائق ومساحتها خلال الأعوام الماضية – والحديث للدكتور ثابت – نجد أن هناك تراجعاً، حيث كان عددها في العام المنصرم 207 حرائق بمساحة قدرها 222 هكتاراً، بينما بلغ عدد الحرائق الحراجية ضمن الغابات من بداية هذا العام حتى نهاية شهر حزيران 43 حريقاً بمساحة قدرها 40 هكتاراً، وبلغ عدد الحرائق الزراعية “أشجار مثمرة ومحاصيل زراعية” لهذا العام 301 حريق بمساحة قدرها 1023 هكتاراً، لافتاً إلى أنه في بداية كل موسم حرائق تكون المحافظات الوسطى والداخلية هي الأكثر تأثًراً، حيث تحدث فيها مبكراً مقارنة مع المحافظات الساحلية التي تكون فيها الحرائق أخطر ما يمكن في أشهر آب وأيلول وتشرين الأول من كل عام.
خرائط تحذيرية
الدكتورة روزة قرموقة، مديرة منصة الغابات ومراقبة الحرائق FIRMO، في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد، بيّنت لـ “البعث” أن موسم الحرائق بدأ مبكراً هذا العام في غابات سورية، حيث نشرت منصة الغابات ومراقبة الحرائق أولى خرائطها التحذيرية في 14 نيسان نتيجة لظروف الجفاف والطقس التي كانت مواتية لاندلاعها وانتشارها.
وعرّجت قرموقة على ذكر العوامل المؤثرة في حدوث الحرائق منها معاملات متعلقة بالغطاء النباتي “خريطة استعمالات الأراضي والغطاء الأرضي للغابات وأنواع نماذج الوقود اللازم للاحتراق (الفرشة الغابية)”، إضافة لمؤشر النبت الطيفية، ومعاملات متعلقة بطبوغرافية الموقع، إضافة إلى عوامل متعلّقة بأثر التدخل البشري كـ”القرب من الشبكة الطرقية حسب درجاتها، والقرب من التجمعات السكنية، والقرب من المزارع والحقول” وعوامل مؤشر الطقس، وعوامل متعلقة بتكرارية حدوث الحرائق.
خبرات محلية
ويعدّ الاستعداد المبكر للحرائق هو المفتاح للحدّ من تحوّل أي شرار صغير إلى حرائق أكبر وفق وصف قرموقة، فالتمكّن من السيطرة على الحريق في أول عشرين دقيقة هو الضامن لمنع الحرائق الضخمة المدمّرة، لافتة إلى أنه يتمّ إنتاج خرائط خطورة الحريق في منصة الغابات بخبرات محلية وفق منهجية خاصة بظروف البيئة المحلية للغابات في سورية وحالة الغطاء النباتي والتضاريس، وذلك اعتماداً على تحليل الصور الفضائية والخرائط الغرضية الموجودة في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد، كما تمّ تحديد أثر التدخل البشري عبر تحضير خرائط مستويات تأثير القرب والبعد عن التجمعات السكنية والمزارع والطرقات، وتمّ التعاون مع مديرية الحراج في وزارة الزراعة لتحديث الخرائط التفصيلية للغطاء الغابي، كما يتمّ استقبال خرائط الطقس من وحدة التنبؤ العددي في المديرية العامة للأرصاد الجوية.
تنبّؤ جوي
تعمل المديرية العامة للأرصاد الجوية وفق المتنبئ الجوي هاشم شربا على تقديم التنبّؤ الجوي بدقة عالية، وبشكل رقمي لكامل المنطقة المستهدفة بالدراسة، وخاصة درجات الحرارة العظمى وسرعة الرياح والرطوبة الجوية، إضافة للهطلات، حيث تلعب الأجواء الحارّة والجافة الدور الرئيسي في انتشار الحريق بالإضافة لسرعة الرياح، موضحاً أن الرياح عندما تجابه السفوح الجبلية فإنّها تبرد وتفقد رطوبتها وعلى السفح المقابل تكتسب سرعة وحرارة لتصبح الرياح جافة وحارّة، لذا فإن الرياح الشرقية ذات المصدر القارّي الجاف تعدّ الأكثر خطورة وخاصة على السفوح الغربية من تلك السلاسل، أما الرياح الغربية فلها دور أكبر على السفوح الشرقية، ولكن الرياح الغربية أكثر رطوبة بسبب مصدرها البحري فخطرها أقل على تجفيف الغطاء النباتي، وبالنتيجة تتغيّر مستويات الخطورة من منطقة إلى أخرى حسب درجات الحرارة وجهة ورود الرياح وغيرها من ظروف جوية، وأكثر الفترات خطورة فترات الموجات الحارّة والأيام القليلة التي تليها وخاصة في موسم الحرائق الذي يمتدّ من بداية الصيف حتى منتصف الخريف.
عقوبات
لا يوجد حريق دون سبب.. هكذا بدأ المحامي أكرم المحمود حديثه لـ “البعث”، لافتاً إلى أنّ لكلّ حريق ظروفه واعتباراته وأماكنه، سواء أكان المسبّب عنصراً بشرياً أم عنصراً آخر (الكهرباء أو الغاز أو غيرهما…)، وأغلب الحرائق تتمّ معالجتها والكشف عنها من خبراء الحريق الذين يحدّدون السبب، سواء أكان مفتعلاً أم لا، والقانون رقم 39 الخاص بالحراج وحمايتها الذي صدر عام 2023 بخصوص الحراج، شدّد العقوبة فكانت من 10 إلى 20 سنة بالحبس، وإن نشأ عنها وفاة شخص تصل إلى الإعدام، ومواد قانون العقوبات عالجت هذا الموضوع بدءاً من المادة 573 إلى 577 فكانت العقوبة عبارة عن سبع سنوات إذا أضرمت النار قصداً في المصانع والورشات وغيرها، وحبس مؤقت إذا أضرمت في بيئة غير مسكونة، وتصل إلى حدّ الإعدام إذا نجم عنها وفاة إنسان.
وعاد بالذاكرة إلى حرائق السنة الماضية، حيث أثبتت التحقيقات أنها مفتعلة وتمّ القبض على الفاعلين ومعاقبتهم.
صمّام أمان
لا ننكر أن الحرائق أحياناً تكون مفتعلة لأسباب عدوانية وبهدف جمع المال من خلال “التفحيم”، و”التحطيب”، وهنا تبرز أهمية الوعي وانتشار الثقافة البيئية لوضع حدّ لمن يفتعلون الحرائق، ويبقى الأهم إيصال التحذير عن حصول الحرائق في الوقت المناسب بحيث يتمّ تحويله إلى إجراء عملي للمحافظة على غاباتنا التي تشكّل ثروة لا تقدّر بثمن، وهي صمّام أمان في وجه التغيّرات المناخية.