أمريكا.. الحمائية والاتجار
بشار محي الدين المحمد
تواصل مؤشرات ترامب ارتفاعها في استطلاعات الرأي، والتي لا نعلم إن كانت موضوعية أو من إنتاج شركات أمريكية تتاجر في كل شيء، بما فيه الرأي العام لشعب يفترض أنه “الأول بالديمقراطية”.
لكن ما نعلمه أن العالم وصل إلى مرحلة من السأم والضجر من حدّة وتكاثر الأزمات، والتي هي بقناعة الكل صناعة أمريكية، وحتى دول الغرب التي ظنّت نفسها حليفة لواشنطن تبين أنها مرتهنة وتابعة، فبالأمس تعالت أصوات ساستها عندما توقفت شاشات حاسوب العالم بأسره بشكل شلّ البنوك والمطارات والمشافي وآلات البيع، لمجرّد خلل لدى شركة برمجيات أمريكية، فأدركوا أكثر كم هم غائصون في عالم أحادي تحاول أمريكا جعله يدفع المزيد بعد اختلاق كل أزمة جديدة، وخاصةً بعد أن وصلت شركات الرأسمالية إلى مرحلة “توحش الشركات المالية” التي تؤشر إلى أقذر مراحلها ودرجاتها.
المضحك أن المرشح الجمهوري ترامب يواصل العزف على أوتار بطولات وهمية منذ نجاته من محاولة اغتياله، والادعاء بأنه قادر على إنهاء الحرب الأوكرانية وإحلال السلام، لكنه في الوقت نفسه يدلي بتصريحات لا نفهم منها سوى المزيد من السير في طريق التصعيد والتوتر، ومنها أنه شبه بلاده بـ “شركة تأمين”، مطالباً انفصاليي تايوان بدفع ما عليهم من أجور “الحماية الأمريكية” للإقليم، رغم أنهم يشترون ترسانات كاملة من الأسلحة الأمريكية للغاية ذاتها، المتمثلة في اتقاء أخطار تؤججها الإدارة الأمريكية ذاتها، من خلال التواصل العسكري مع الحكومة الانفصالية في تايوان رغم مطالبة الصين بوقف ذلك التواصل، أو من خلال التعديات على المياه الإقليمية والمناورات الاستفزازية المشتركة بين أمريكا وحلفائها على تخوم الصين، وبالتالي فإن من يستفز الصين ويراهن على التوتر كي يرتزق، لن يكون داعية سلام في منطقة أخرى، أو ينهي صراع “الناتو” على تخوم روسيا، لطالما دول الاتحاد الأوروبي تدفع لواشنطن وتشتري سلاح المجمع العسكري الأمريكي أو فروعه ضمن أوروبا.
أمام كل هذه المؤشرات، وما سبقها من الوقائع الدموية لتاريخ الولايات المتحدة، سيكون من السذاجة الظنّ أن ترامب أو حتى أي مرشح آخر سيتمكن من تغيير الوجه القبيح لبلاده، أو يمكنه أن يحسّن حال أي بلد، سواء كان مناوئاً أم حليفاً لأمريكا..
فالمشروع الأمريكي مستمر، ولا يمكن لأي شخص معاندة مسيرة بلد تحكمه الشركات الرأسمالية وفق قاعدة “أمريكا أفضل” أو تحقيق “الحلم الأمريكي”، وطبعاً هذه الشعارات البراقة تخصّ المنادين بها ومشغليهم من الشركات، لا المواطن الأمريكي الذي يراقب مع غيره من شعوب العالم إجرام وتسلط إدارة بلاده، في وقت يغوص حتى الداخل الأمريكي بأزمات البطالة، وضعف الضمان الصحي، والفقر، وتدفق المهاجرين.