ترامب والمتغيرات الدولية
ريا خوري
ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية لجهة الانتخابات الرئاسية ليس بالأمر اليسير، فها هو جو بايدن ينسحب من السباق الرئاسي. منذ البداية بدت مسألة بقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن أو انسحابه من سباق الانتخابات الأمريكية مسألة وقت، حيث انشغل الحزب الديمقراطي في مناقشة لحظة الحسم التي سيقرّرها مؤتمر الحزب الديمقراطي، فإنَّ الأضواء والآراء تركز الآن على كاملا هاريس نائبة جو بايدن، التي كانت سيناتور كاليفورنيا.
هذا الموقف يضعها محل انتقاد من الكثيرين، وهي بهذا في موقف لا تُحسد عليه فالترشح لانتخابات الرئاسة سيضعها لا محالة في مواجهة الرئيس السابق ترامب، حيث يتعين عليها مواصلة حشد الدعم مع إثبات قدرتها على مواجهة ترامب وتياره الجمهوري الجارف.
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في الانتخابات المقبلة، قائلاً: “هذا من أجل مصلحة حزبي وبلدي”. جاء هذا القرار قبل أربعة أشهر من ذهاب الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع، ما سيقلب السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض رأساً على عقب، خاصةً أن جميع المتابعين للمشهد الانتخابي الرئاسي كانوا على يقين من هذا القرار بعد الضغوط الشديدة من جانب زملائه القادة الديمقراطيين، وبعد أداء متعثر في المناظرة ضد الجمهوري ترامب في نهاية شهر حزيران.
فقد كان أداؤه الباهت في المناظرة الرئاسية ضربة أولى أثارت مخاوف واسعة جداً داخل حزبه الديمقراطي في مدى أهليته الإدراكية والجسدية والحسية، لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وجاءت الضربة الثانية من المحكمة العليا الأمريكية، حيث حصّنت أفعال ترامب من الملاحقة القضائية.
على المقلب الآخر نجد أنّ الرئيس السابق دونالد ترامب قد ارتفعت أسهمه بصورةٍ قياسية في العودة إلى سدّة الحكم في البيت الأبيض، خاصةً عندما اعتبر عدد كبير من المراقبين حالة رباطة الجأش لترامب في لحظة تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة عندما لوّح بقبضة يده اليمنى، تلك اللقطة أضفت عليه صفة الشجاعة في مواجهة الخطر، والتصميم على المضي في التحدي، بغض النظر عن القول إن تلك العملية كانت (بروبغندا) سياسية وإعلامية، فيما بدا بايدن متعثراً في صعود سلم طائرة.
مشهد محاولة الاغتيال، فيه مفارقتان مهمتان: الأولى أنه كاد يدفع حياته ثمناً لتحالفه مع ما بات يُعرَف بــ “لوبي السلاح”، الذي يرفض أن يضع له أية قيود صارمة على بيعه في الأسواق الأمريكية كأي سلعةٍ أخرى. والمفارقة الثانية، أن المشتبه فيه توماس ماثيو كروكس شاب عشريني من الحزب الجمهوري، يفترض أن يكون مؤيّداً لدونالد ترامب، من دون أن يتوضح سبب قيامه بهذا الفعل. وكانت النتيجة أن أسدل الستار على تلك العملية وعلى القاتل بعد أن تم إعدامه على الفور.
لم يتغير ترامب، ولا تعدّل خطابه تجاه الأقليات والمهاجرين، ولا تغيّرت نظرته إلى الحريات الإعلامية الصحفية، متذكرين صداماته المتكررة مع شبكة الأخبار الأمريكية «سي. إن. إن»، وصحيفتي الــ “نيويورك تايمز والــ واشنطن بوست”. ليس هذا فحسب، بل كان مشهد اقتحام الكابيتول لمنع اعتماد نتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2020 تهديداً للديمقراطية الأمريكية. فالرئيس السابق ترامب لم يعتذر عما جرى ولم يعترف بخطيئته، ولم يتعهّد بقبول نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة إذا لم تكن لصالحه.
العالم تغيَّر ولم يتغيَّر ترامب، فقد اختلفت التحديات والأزمات العالمية بدءاً من الحرب في أوكرانيا وانتهاءً بالحرب في قطاع غزة، وما بينهما من تفاعلات دولية وإقليمية. كما بدا النظام العالمي غير متوازن ترافق مع فقدان هيبة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، وعدم قدرتها على القيادة وحدها.
وقد طرحت العديد من الأسئلة الكبرى، منها ما معنى التحالف الغربي، وما هو دور الولايات المتحدة إذا ما أدارت ظهرها لمعاناة الشعوب الأوروبية واحتياجاتها الضرورية؟ فقد حدثت العديد من الفجوات داخل التحالف الغربي ولم تقف إدارة ترامب أي موقف مساند لتلك الدول التي تعتبر حليفة لها مثل إيطاليا وإسبانيا اللتين تضررتا كثيراً من نتائج جائحة كوفيد 19. ليس هذا فحسب، فإنّ إدارة ترامب السابقة ساهمت في صعود اليمين الشعبوي المتطرف في الغرب الأوروبي، خاصةً العداء المستحكم للمهاجرين والأجانب والتي دعا لتمدّدها في أوروبا عام 2016 م. فقد هيمن اليمين الشعبوي المتطرف على معظم حكومات الدول الأوروبية في أكبر عملية انقلاب على قيم الجمهورية كما حصل في فرنسا، على سبيل المثال. كما دعم وشجّع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من جهة الحرب الساخنة في أوكرانيا أعلن غير مرة بأنه مستعد لوضع حد لتلك الحرب بأسرع وقت ممكن. كل ذلك مترافقاً مع النظر في مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) رافعاً شعار (المال مقابل الأمن)، وهذا الموقف يريد تعميمه في تايوان والشرق الأوسط، وموقفه الصريح والواضح من القضية الفلسطينية فهو منحاز للكيان الصهيوني، متجاهلاً التغيرات الجوهرية في مسارح الصراعات والنزاعات في الشرق الأوسط إثر عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأوّل العام الماضي 2023، قافزاً على جرائم الإبادة الجماعية وملاحقة المجرمين الصهاينة وداعميهم أمام محكمتي (الجنائية الدولية) و(العدل الدولية) .