أضرارها كثيرة وفاعليتها قليلة.. منظفات وعطورات مغشوشة تتصدر واجهات المحال أمام عين الرقابة!
ليندا تلي
غلاء الأسعار وضعف دخل المواطن معادلة غير متكافئة أجبرت الناس على الاحتيال بكلّ الطرق، بغية تأمين لقمة العيش وتوفير متطلباتهم اليومية بأقلّ كمية وأرخصها تماشياً مع قدرتهم الشرائية، والحال ينسحب على شرائهم المنظفات المعبأة بأكياس النايلون الشفافة التي تملأ الأرصفة وواجهات المحال رغم يقينهم التّام بعدم كفاءتها وموازاتها للماركات المعروفة ولكن “مجبر أخاك لا بطل”.
قلّة الحيلة
المواطنون يأسفون للحالة التي جعلت التلاعب بصحّة الناس وسيلة لكسب النقود، دون اعتبار ما تسبّبه من أضرار عند استخدامها على الجسم أو في تنظيف الأواني والألبسة، وبشكل خاص “شامبو الشعر أو الجسم” الذي يفتقر للكثير من المواد الآمنة، ويروي كثيرون ما تسبّب به شامبو الشعر من أذى كسقوط الشعر وكثرة القشرة والحكة الدائمة، فيما اشتكت إحدى السيدات من سوء منظفات الأواني المنزلية، المعدومة الفعالية، والتي تتسبّب في تعطيل الغسالات الأوتوماتيكية، والمشكلة في تلك المنظفات أنها تضع لصاقة ماركات معروفة، والسؤال هنا: أين الرقابة على تلك المواد المنظفة والعطورات أيضاً؟.
تؤكد الدراسات المبنيّة على نتائج تحليل موثقة بأنّ المواد الكيميائية التي يتمّ إطلاقها عند استخدام مواد التنظيف المغشوشة تسهم في حدوث مشكلات مزمنة في الجهاز التنفسي، وتسبّب ردود فعل تحسسيّة وصداعاً، علاوة على زيادة مخاطر الإصابة بالسرطانات وتشوّه الأجنة على المدى البعيد، كما اتضح بالتجارب العلمية أن تلف الرئة لدى من يستخدم منظفات منزلية شائعة ورئتي من يدخن السجائر لمدة طويلة “كان متقارباً”.
انفلات في الأسواق
الدكتور عبد العزيز معقالي رئيس جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها لم يخفِ وجود انفلات في الأسواق، وخاصّة تلك المنتجات التي تُباع على الأرصفة وبعض المحال التجارية، مشيراً إلى أنّ ضعف القوى الشرائية عند المواطن دفعه لشراء المنظّفات الرخيصة التي هي غالباً غير مطابقة للمواصفات السورية، وأنّ بعض المعامل لا تضع المواد الفعّالة في هذه المنظفات لبيعها بأسعار مخفّضة.
وبيّن معقالي أن هناك ورشات غير مرخّصة وليس لديها سجل صناعي تقوم بتصنيع هذه المنظفات غير المطابقة للمواصفات، بل والضّارة، مطالباً وزارة التجارة الداخلية بسحب عيّنات من هذه المنظفات بأنواعها وفحصها واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقّ المعامل والورشات المصنّعة للمنظفات المخالفة التي تنتجُ عنها أعطال تصيب الغسالات.
من دون رقابة
الخبير الاقتصادي ياسر اكريم رأى أن هذه المشاريع الناشئة المتناهية الصغر لصناعة المنظفات لها إيجابيات، منها أنّه يمكن العمل بها في المنزل في القبو، ولكن في الوقت ذاته خطيرة باعتبار صاحب المشروع يعمل بالكيماويات من دون دون رقابة صحية، وهذه مسؤولية وزارة التجارة باعتبارها تملك المواصفات والمقاييس والرقابة، وحمّل الوزارة وهيئة الرقابة مسؤولية وجود هذه المنتجات في الأسواق بشكل كبير، فهم حين يقومون بجولات بغية ضبط المخالفات فلمَ لا يقومون بضبط هذه المنتجات، مؤكداً على مسؤولية الرقابة العالية للتأكّد من وجود البيئة الصحيحة السليمة التي يعمل بها أصحاب تلك المشروعات.
تشاركية صحيحة
وبغية الحصول على تشاركية صحيحة بين الشركات المتناهية الصغر والشركات القوية ووزارة التجارة وهيئة الرّقابة، وبالتالي يتمّ بناء اقتصاد لا توقيفه، يستذكر اكريم فائدة الخبرة العالمية ونظرية “الهرم اليابانية” التي تقول: إنّ كلّ شركة ناشئة يجب تبنّيها من شركة أكبر، مثلاً أصحاب المشاريع الصغيرة يجب الأخذ بيدهم ومساعدتهم على تحسين إنتاجهم ومراقبتهم، كما يجب أن يحصلوا على تبعية لشركة أكبر بشكل هرمي، كون تلك المنتجات تضرّ بالاقتصاد الأسروي والشركات الصغيرة، ويجب تدريبهم وتعليمهم ومنحهم شهادة تأكيد أو صلاحية من شركة كبرى باعتبار لدينا شركات كبرى وقويّة.
البيئة الصحيحة
ورأى اكريم ضرورة أن يتمّ منح تلك الورشات البيئة الصحيحة بحيث تكون مستقرّة، متسائلاً: ما المانع من أن تعمل في السنتين الأولى والثانية من إقلاعها بلا ضرائب وتسهيل تسجيلها، وخلال السنة الثالثة يتمّ دفع الضرائب، وبذلك يُصبح مشروعاً متناهي الصغر أو متوسطاً أو كبيراً، ويحصل على سجل مبدئي وبالتالي يصبح شركة بلا التزامات، فيسجّل مباشرة، وبذلك تحصل على دعم وقروض، وختم حديثه بأنّ هذه المشاريع الناشئة بدقّة أقل وبخبرة أقلّ من خياطة ونجارة وغيرها يجب أن يكون لها هيئة رقابة خبرة تنهض بالصّناعة والمشاريع الصغيرة بعيداً عن هيئة المنع والتوقيف الموجودة لدينا وهي ليست اقتصادية خاصّة في بلاد خارجة من حرب وأزمات.
اقتصاد الظل
بدوره عبد الرزاق حبزة أمين سرّ جمعية حماية المستهلك لم يخفِ وجود هذه المنظفات بشكل عشوائي غير مرخّص وبكثرة على الطرقات، وهذا ما يُعرف باقتصاد الظل، ولفت إلى موضوع خطير ألا وهو أنّ بعض النبّاشين يجمعون عبوات لماركات معروفة ويتمّ غسلها وتعبئتها من جديد باللصاقة نفسها ولكن بغير مادة، وهذا الموضوع يخضع للرقابة وتمّ توجيه المستهلكين عبر الإعلام أنّ كلّ من يشتري عبوة أصلية عليه بعد انتهائها أن يقوم بكسر الغطاء أو ثقبه حتى لا يُعاد استخدامها، وهذا الموضوع تمّ لمسه من خلال عطورات ومواد تنظيف لماركات معروفة موجودة على البسطات، ولكن هي عبارة عن إعادة تعبئة بعد شرائها من النبّاشين وإخضاعها لعمليات تعبئة جديدة.
سجل صناعي
أما عن آلية الحصول على سجل تجاري، فبيّن أنه يتمّ تقديمه عن طريق مديريات التموين يحدّد فيه المكان والمعدّات المتوفرة لديه، ويجب أن يتوفر لدى صاحب المشروع عامل على الأقل، وإن كان مستوفياً للشروط الصحية كلّها يتمّ بموجبه التسجيل في غرفة التجارة وثانياً في التأمينات والمعاشات، وبالنسبة للمنظفات السجل التجاري لا يكفي بل يجب أن يكون هناك سجل صناعي يتمّ بموجبه الكشف على الآلات والمعدّات الموجودة، وإذا تمّ تحديد إمكانية للإنتاج يتمّ السماح له بالبيع عن طريق السجل الصناعي (س.ص).
بطاقة بيان
ولفت حبزة إلى أن أي مادة مجرّد تمّ تعبئتها في أكياس يُفترض أن يكون عليها بطاقة بيان تحدّد الحجم والوزن ونسب المواد الداخلة في هذه المادة والشركة المنتجة والسجل التجاري والصناعي، أما غير ذلك فتعدّ مخالفة حتى ولو كانت المادة أصلية وأساسية مفرّغة في أكياس لا تحمل بطاقة البيان، في هذه الحالة تعدّ عملية غش، سواء كانت مواد منظفات أو غيرها.
تلاعب بالمادة الفعّالة
وقال حبزة إنه تمّ حضور اجتماع مع معاون وزير الصناعة، وكان هناك مندوب عن كافة المؤسّسات ومعامل المنظفات، وتمّ مناقشة موضوع المادة الفعّالة الموجودة التي يجب ألا تقلّ عن 12 بالمئة، حيث طالب المنتجين بتخفيض المادة أسوة بباقي البلدان، ولم ينكر حبزة وجود تلاعب بالمادة الفعّالة وإضافة الصود الكاوي الذي يعدّ مادة قاشطة تؤثّر على صحة الإنسان، سواء جهازه التنفسي أو الجلد، كما أن هناك ملوّنات وبعض الأصبغة غير صحيّة يتمّ استخدامها في صناعة موادهم، ويتمّ إضافة الملح ومواد غير معروفة المنشأ ضارّة بالصحة.
تقرير صناعي
وأوضح أن هناك ما يسمّى تقرير صناعي، أي في حال امتلاك شخص معملاً لكي يتمّ ترخيصه بغية إنتاج مادة معينة، يتمّ الكشف على المعمل من قبل جمعية حماية المستهلك أولاً، ويتمّ التأكّد من الآلات الموجودة والمواد الأولية اللازمة ويتمّ بموجب ذلك منح الشخص تقريراً صناعياً يؤهله إنتاج المادّة للتجربة، مع ملاحظة أنه لا يمكن إنزال المادة إلى الأسواق إلّا بموجب سجل صناعي وهذا مهمّ جداً، إضافة إلى ضرورة أخذ عيّنات من المواد المنظفة لمعرفة مدى مطابقتها مع المواصفات القياسية السورية والتأكّد من نسب المادّة الفعّالة وعدم تأثيرها على صحة الإنسان.
ضبط وحجز
ورداً على سؤال من يتحمّل مسؤولية رقابة هذه المنتجات، وعلى أي أساس تُبنى المخالفة، قال نائل اسمندر مدير حماية المستهلك بريف دمشق: إن دورياتنا تقوم بمتابعة كافة منتجات ومواد التنظيف في الأسواق وتقوم بسحب عيّنات منها للتحليل وبيان مطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة، ومثل هذه المواد التي تُباع في الأسواق ولا تحمل أي ماركة أو اسم تجاري أو أي بيانات تدلّ على المنشأة المنتجة لها يتمّ ضبطها وحجز هذه الكمية.
أما بالنسبة لآلية الحصول على السجل التجاري، فيقوم صاحب العلاقة، وفق ما بيّن اسمندر، بتقديم طلب إلى المديرية مرفقاً بالثبوتيات اللازمة الموجودة في مديريات حماية المستهلك في المحافظات.