“دباغة الجلود”.. مهنة تراثية مهدّدة بالاندثار
حماة – ذُكاء أسعد
اشتُهرت مدينة حماة بحرفة دباغة الجلود منذ مئات السنين، فقد كان يمتهنها عشرات الأفراد من العائلة الواحدة، حتى سُمّي أحد أحياء المدينة باسم “الدباغة” لاحتوائه على أهم منشآت دباغة الجلود، لكن ما لبثت هذه الحرفة أن تراجعت في سنوات ما بعد الحرب حتى وصلت مرحلة الاندثار نتيجة الصعوبات التي تواجه أصحاب المهنة.
وأوضح أحمد الدبيك رئيس جمعية الخياطة والدباغة في حماة أن 90% من المنشآت أُغلقت وتوقفت بسبب ارتفاع تكاليف المهنة، كتأمين المياه والتي تعدّ أهم مادة لاستمرار العمل، وعدم السماح بغسيل الجلود من مياه نهر العاصي لاستخدام مياهه في أغراض زراعية، وصعوبة الاستعاضة عنها بمياه الصهاريج لتكلفتها الكبيرة، فضلاً عن ارتفاع أسعار اللحوم وصعوبة تأمين الجلود رغم غنى مدينة حماة بالأغنام، لذلك أضحت أعداد من يمتهنون حرفة الدباغة في حماة لا تتجاوز أصابع اليد بعد عزوف عشرات العائلات الحموية عن العمل بها للأسباب المذكورة آنفاً.
ورغم عدم تطوّر هذه المهنة واعتماد أصحابها على العمل البدائي الذي توارثوه عن الأجداد، إلا أنها كانت تحقق دخلاً جيداً لممتهنيها وإنتاجاً كبيراً من المنتجات الجلدية، إذ كان يتمّ تصنيع ما يزيد عن 500 جلد يومياً، أما اليوم فلا يتجاوز عدد الجلود التي يتمّ استجرارها 20 جلداً ويتمّ إرسالها لدباغي حلب ودمشق.
وأوضح الدبيك أن معاناة الدباغين لا تقتصر على ارتفاع أسعار كافة مستلزمات المهنة، كالتجهيزات والماكينات وتأمين المياه، إلا أن غالبية من توقف منهم عن العمل يحتاج لتكاليف مرتفعة جداً ليعود للعمل مجدداً، وقد استبعد الدبيك عودة الدباغين في الوقت الراهن، خاصةً وأن سعر المتر مرتفع جداً في المنطقة الصناعية ويتجاوز 950 ألف ليرة -هذا إن تمّ تخصيصهم بها- يضاف إليها الرخصة والبناء، ومن ثم تأمين البنى التحتية كمحطات معالجة للمياه والتجهيزات المكلفة، ناهيك عن الضرائب وارتفاع أسعار الكهرباء للحرفيين، لذلك اقترح الدبيك تخصيص الدباغين بالمنطقة الصناعية بأسعار مخفضة مع تأمين البنى التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحي بهدف عودة الدباغة وإنعاش هذه المهنة وتحسين تسويقها.