ثقافةصحيفة البعث

سموقان: ضد أي شيء اسمه “فكرة اللوحة”

اللاذقية- مروان حويجة

يبرع الفنان التشكيلي سموقان في تخصيب وتنويع إبداعه الفنّي برؤى فنّية متجدّدة تعنوِن كلّ مرحلة من اشتغاله على مشاريعه بما تتميّز به هذه المشاريع من تنوّع الأشكال والأساليب والمضامين والأفكار، وتعدّد التقنيات الفنية التشكيلية، وما تفيض به من تناغم لوني زاهٍ مستمدّ من الطبيعة الخلاّبة الرائعة والأخّاذة لسورية.
ويستحضر سموقان في لوحاته الحضارة الأوغاريتية، وقصة بعل الأوغاريتية، إله الخصب بأسلوبه الخاص المعروف لديه، وعناصر كثيرة من أشكال إنسانية، وجرار وحيوانات وأسماك ولوحات ومعالم تراثية وتاريخية، بما فيها من غنى المفردات والإيحاءات، فيتجلّى شغفه بهذا التراث الضاربة جذوره في أعماق التاريخ، ويتفرّد باعتماده تقنية خاصة في الرسم تساعده في إبراز الضوء بين مكوّنات اللوحة، لأنّه يجد فيه عنصراً مهماً في العمل الفنّي، يتوزع على كامل سطح العمل، لذلك فكل متلقّ يرى اللوحة بصورة مختلفة عن الآخر تبعاً لثقافته البصرية.
يحدثنا سموقان عن تجربته بالقول: “الأصالة في تجربتي تأتي من جعل منطق المرئي لخدمة المخفيّ والأبجدية التي بدأت بها في الجزء الأول وحملت عنوان “أبجدية الشكل” هي مشروع معارض عديدة تحت العنوان ذاته حتى البدء بمشروع أبجدية المعنى، وفي أعمالي الكثير من الأساطير وخاصة الأساطير السورية القديمة، وأساطير بلاد الرافدين، فقد درست أساطير أوغاريت نظرياً وتشكيلياً وقدمّتها كحكايات، ومنها قصة البعل أي أسطورة البعل الأوغاريتي إله الخصب والعطاء، كذلك الأمر بالنسبة لملحمة جلجامش”.
وحول ماهية تعاطيه مع أعماله ومشاريعه يقول: “أنا من النّوع الذي يعمل على مشروع معيّن، ومواضيعي هي البحر والإنسان والأسطورة والغابة، أقوم بالدراسة النظرية لموضوع ما، ومن ثم أرى، وأراقب من أجل الحفاظ على الجانب المنسجم والشعري، وتحمل بعض اللوحات عنوان “رومانسيات”، وعندما أرسم أضع اللون فوق اللون، الماء فوق الماء، كما هي الأوراق حيث تتوضع ورقة الشجر فوق الأخرى والوجه فوق الآخر، وتتوضع الأشياء الكبيرة والصغيرة”، ويؤكد أنّه ليس مع الذين يحمّلون الشكل فوق طاقته، فغالبية الناس ولاسيما الذين يتعاملون مع الأدب يبحثون عن المضامين وعن القصدية والغاية من حضور الشكل، فالشكل لديه يحمل الفكرة وليس العكس، وأنّه ليس مع ما يسمّى “فكرة اللوحة”، يوضح: “طالما أنّ هناك آلية لحضور الشكل في سياقات متعدّدة أعتمد على شيء اسمه “الإظهار” في وقت محدّد، وزمان معيّن، لذلك أنا ضد أي شيء اسمه “فكرة اللوحة”، ولست صانع أفكار، بل موجّه للأبصار، أريد أن أعوّد المتلقي على رؤية الشكل أولاً ورؤية نفسه ثانياً، فالرؤية في رأيه فنّ يدرّس أو أنها تربية بصرية، والفكرة لديه هي فقط تحقيق الراحة للأشكال التي يرسمها وهذه المعادلة لا تتمّ إلّا في وقت تنفيذ العمل وبطريقة توليدية.
وعن الأوقات والأجواء التي يرسم فيها، يحدثنا سموقان: “أرسم في كلّ الأوقات، وأحبّ الهدوء، وما اسمه موسيقا بالنسبة إلى الآخرين، هو ضجيج بالنسبة إلي، لذا فخير مكان للرسم هو المرسم الخاوي من أي شيء”، مبيناً أنّ مشروعه الفنّي أبجدية الشكل “أبجدية الأزرق” محاولة لاختراع لغة بصرية تصبح في متناول جميع الحواس، أي وضع “ألف باء” جميع الأشكال البصرية التي ترى بالعين محمّلة بخاصتين فيهما طابع الفنون السورية القديمة، وبصمة التجربة الخاصة الحرة والحداثوية، لذا فالأعمال تحمل مشروعية البحث الدائم، وأضاف: “جزء كبير من أعمالي في هذا المشروع يأخذ شكل الأيقونة، وهذا الفضاء الذي أغوص فيه هو المعادل لبناء عالم أحلم فيه، حيث تأتي هنا الاستفادة من التقنيات المعاصرة، ومع محاولة للاستفادة من الفنون المسرحية والسينمائية في طريقة عرض اللوحة حيث النوافذ عديدة، والمحاولة هي توكيد هذه الحروف البصرية، ومن يشاهد أعمالي “أعمال أبجدية الشكل” يرى مزجاً بين الحالة التراثية والمعاصرة، حيث هذا المشروع يقع بين هذين المحورين، فترى الجدّية في دراسة الموروث التراثي والفني، ومن ثم الحرية في مواجهة العمل الفنّي من حيث هو حداثوي خارج عن أي تقليد، والخلفية في اللوحات جعلتها عاملاً مهمّاًً في التشكيل.
وللطبيعة حضورها في المسيرة الفنية لسموقان، ويتحدث عن هذه المرحلة بالقول: “هي مرحلة الغابة أو الغاب كما أحببت أن أسميها، في بداية تجربتي مع الطبيعة، الغاب بلغة المذكر، لأنني حاولت إعطاء الأهمية الكبرى لشيء اسمه الرسم، أي الخطّ الذي يغطي كامل العمل: الطبيعة، الغاب، الغابة، وهذه ليست مناظر طبيعية كما هو موجود بالواقع، هي الذاكرة البصرية التي تعمل، وبقدر ما يكون لها ذاكرة واقعية لها أيضاً بعد معاصر بامتياز حيث نرى العناصر الواقعية، لكنها غرائبية في تكوينها ونسيجها الداخلي، وعملي في الغابة يعتمد على طريقة الكشف لقدرات الشكل، لتقديم عالم جمالي آخر مختلف، عملي في الغابة أو الطبيعة ليس محاولة تصويرية لمشهد واقعي يُرى أمام العين، وإنما هو اكتشاف الجانب الروحي للأشياء”.