دراساتصحيفة البعث

..هل ستنتهي الحرب الأوكرانية بالمفاوضات؟

    ريا خوري

يشهد العالم حراكاً سياسياً ودبلوماسيا كبيراً في سبيل البحث عن حل لمجريات النزاع في أوكرانيا بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، حيث نجد دميترو كوليبا وزير خارجية أوكرانيا يسعى لإيجاد حل من خلال مباحثاته مع الصين حليفة روسيا الاتحادية والتحدث بشيء من التفصيل بشأن خطط ومشاريع حل النزاع الساخن في أوكرانيا.

كان ذلك من خلال الزيارة التي قام بها وزير خارجية أوكرانيا إلى بكين واجتماعه مع وزير خارجيتها وانج بي بشأن سبل التوصل إلى سلام مع روسيا، إذ من منطق الأشياء أن الحرب لن تضع أوزارها إلا على طاولة المفاوضات مهما طال أمدها ومهما كانت ساخنة، على الرغم من التحريض الغربي اليومي على استمرارها من خلال الدعم العسكري والأمني واللوجستي والمالي المتواصل لأوكرانيا بهدف إلحاق هزيمة عسكرية بروسيا القوية.

الطرفان الروسي والأوكراني  يدركان أنهما وصلا حتى هذه اللحظة إلى طريق طويل مسدود، كما تدرك أوكرانيا ومعها معظم دول الغرب الأوروبي – الأمريكي أنَّ هزيمة روسيا  الاتحادية مستحيلة، وأن الاستمرار في الحرب الساخنة يعني استنزاف المزيد من القدرات البشرية  والمادية للطرفين، وأن لدى جمهورية روسيا الاتحادية القدرة  الكبيرة والكافية على تحمّل تداعيات الحرب واستحقاقاتها أكثر بكثير من أوكرانيا التي بدأت تعاني من الوهن والضعف، كما بدأت تواجه مأزقاً عسكرياً على مختلف جبهات القتال ونقص حاد في العديد والعتاد والدعم اللوجستي، إضافةً إلى الخسائر البشرية الهائلة التي تتكبدها والدمار والخراب في البنية التحتية التي تنذر بانهيار الدولة ومؤسساتها وإداراتها.

لقد بدأت العديد من الأصوات ترتفع بشكلٍ أسرع خلال العامين الماضيين تدعو إلى وقف الحرب الساخنة في أوكرانيا والجلوس على طاولة المفاوضات، لكن الرؤوس الحامية في الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيت مستمرةً في الرفض والعناد، ومصرّة على مواصلة الحرب الساخنة وتحريض أوكرانيا على المضي في القتال حتى آخر رجل أوكراني.

لكن ما شهدته ساحات القتال من تطورات متسارعة في الأشهر الأخيرة من مواصلة تقدم الجيش الروسي القوي على جميع الجبهات، وعدم قدرة السلاح الغربي على كثافته ونوعه على تغيير اتجاه ووجهة المعركة، وتراجع عدد من الدول الغربية عن تقديم السلاح والدعم اللوجستي والمالي، وتلكؤ دول أخرى عن تقديم احتياجات الجيش والدولة الأوكرانية قضى على ذلك الوهم،  ودفعت الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى إعادة التفكير بمواقفه السابقة،  وذلك بعد نقاشات مطولة بين القادة السياسيين والعسكريين الأوكران خشية أن تفقد بلادهم المزيد من الأرض، وتنتهي الحرب بانتصار روسيا الاتحادية أكثر مما حققت من انتصارات في السنتين الماضيتين. إضافةً إلى أنً المؤشرات بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تدعو إلى الارتياح في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي طالما نادى بوقف الحرب في أوكرانيا خلال أربع وعشرين ساعة حال فوزه بالانتخابات الرئاسية وعودته إلى البيت الأبيض.

لقد تابع العالم بدقة مجريات الأحداث الأوكرانية والقدرات الروسية العسكرية والسياسية والاقتصادية الكبيرة، وعرف لماذا أعلن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي استعداد بلاده للتفاوض مع روسيا، ولقاء زيلينسكي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الرغم من المرسوم  المعمول به في أوكرانيا والذي يحظر هذا الإجراء مطلقاً، إنما يشكل ذلك خطوة مهمة وإيجابية للبدء في المفاوضات بين الطرفين، لكن إذا كان زيلينسكي قادراً على تجاوز مرسوم حظر المفاوضات مع الكرملين، هل يستطيع تجاوز ما يُعرَف بــ (الفيتو) الأطلسي- الأمريكي الذي يمنعه من التفاوض مع القيادة الروسية؟

في جميع الأحوال، إن القيادة الروسية التي طالما دعت إلى المفاوضات مع القيادة الأوكرانية بادرت إلى التقاط الدعوة بإيجابية وعدم تردّد، وأعلن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين: إن هذا أفضل من البيانات عن استبعاد أيّة اتصالات مع جانب روسيا الاتحادية ومع رئيس الدولة الروسية  السيد فلاديمير بوتين.. شيء طبيعي أن الحديث بنبرة أو بأخرى عن الجوار أفضل بكثير من الحديث عن نية القتال حتى آخر رجل أوكراني).

يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد طالب في كلمة له أمام منتدى الشرق الاقتصادي في مدينة “فلا ديفوستوك” من 10 إلى 13 من شهر أيلول 2023 العام الماضي، بضرورة إلغاء مرسوم منع المفاوضات مع موسكو كشرط لفتح قنوات المفاوضات بين الجانبين.

إذا استطاع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، تجاوز مرسوم حظر المفاوضات مع الكرملين، وإذا تمكَّن من إقناع الدول الغربية  ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالمفاوضات، فهذا يعني أنه فتح الباب المغلق، لأن البديل هو حرب مدمرة لا نهاية لها ولا أحد يعرف مداها.