أزمة صواريخ على غرار الحرب الباردة
عناية ناصر
مع اقتراب أزمة صواريخ محتملة على غرار الحرب الباردة، تُجرّ أوروبا إلى سباق تسلح آخر، وسواء كانت ستتبع الولايات المتحدة في دوامة المواجهة العسكرية مع روسيا، أو تبني إطار دفاعي يلبي المصالح الأمنية لجميع الأطراف، يجب على أوروبا الآن أن تتخذ قرارها.
وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد حذّر من أن موسكو ستستأنف إنتاج الأسلحة النووية متوسطة المدى، وتضع صواريخ مماثلة على مسافة ضرب الغرب في حال نشرت الولايات المتحدة صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا التي أعلنت الولايات المتحدة عنها خلال قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن في وقت سابق من شهر تموز الماضي، بأنها ستبدأ بنشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا في عام 2026، مما أثار قلق الجانب الروسي.
ومن خلال حديث الولايات المتحدة وروسيا الآن بقوة حول نشر الصواريخ، يبدو أن أزمة صواريخ على غرار الحرب الباردة، كما حذر بوتين، وشيكة.
في السابق، كان وجود معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لعام 1987 حاجز حماية مهماً للحدّ من تصعيد الصراع بين البلدين يسمح لموسكو وواشنطن بتجنيب العالم الخوف من أزمات الصواريخ في حقبة ما بعد الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن قرار الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى في عام 2019 وردّت عليه موسكو بالانسحاب أيضاً قد زاد بشكل كبير من احتمالات أن يصبح نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة متوسطة المدى من قبل البلدين حقيقة واقعة، وفي ظلّ هذه الخلفية، يُخشى أن تكون أوروبا هي الضحية المحتملة الأكبر.
مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تلعبُ واشنطن التي تتمتّع بنفوذ في أوروبا، دوراً رئيسياً في محاولة تأجيج وتعزيز وحتى قيادة جهود عدم الثقة بروسيا في القارة، وهي تجرّ أوروبا بشكل متزايد إلى مواجهتها العسكرية العالمية مع موسكو، حيث تتحوّل أوروبا، المنطقة التي شهدت بالفعل حربين عالميتين وتعتاد على التركيز بشكل أساسي على التنمية الاقتصادية، الآن إلى قارة ذات استعدادات عسكرية وحربية مكثفة، وتكامل أوثق مع آلة الحرب الأمريكية الناتو.
وإذا اتبعت أوروبا مفاهيم الأمن العسكري العدوانية لواشنطن ونشر القوات الأمريكية، فلن يؤدي هذا إلا إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية الأمنية الأوروبية، واحتمال انعدام الأمن بشكل أكبر. كما أن نشر الأسلحة الأمريكية في أوروبا من شأنه أن يحول القارة حتماً إلى ساحة معركة وحتى الهدف الأول للضربات الروسية.
ستسقطُ أوروبا تحت تأثير الولايات المتحدة في دوامة المواجهة مع روسيا، فحتى الآن لم تفكر المنطقة في كيفية تشكيل علاقة أمنية مستقبلية مع موسكو، وبدلاً من بناء آلية دفاع أكثر أمناً، تتحرك أوروبا الآن ليس فقط نحو هيكل أكثر مواجهة مع الاستعدادات العسكرية، بل وأيضاً نحو معضلة إستراتيجية تتمثل في انعدام الأمن المتزايد.
لذلك، لا ينبغي للدول الأوروبية أن تقبل سياسة الولايات المتحدة باعتبارها سياسة أوروبا، بل ينبغي لها أن تسعى إلى إتباع سياستها الخارجية المستقلة. وفي الوقت نفسه، ينبغي للمجتمع الدولي أيضاً أن يشجّع المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الاستقرار الاستراتيجي والحدّ من التسلح، بما في ذلك معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى الجديدة، ومعاهدة ستارت الجديدة. ففي نهاية المطاف، تهدّد أزمة الصواريخ على غرار الحرب الباردة السلام والتنمية ليس فقط في أوروبا، بل وأيضاً البشرية جمعاء.