مفاجآت محور المقاومة
علي اليوسف
المقاربة المنطقية للتمادي الصهيوني في المنطقة هي أن التوتر الذي يفتعله نتنياهو ليس محصوراً مع إيران، بل في سياقاته الأوسع إقليمياً ودولياً، وأول تلك السياقات وضع الولايات المتحدة تحت الأمر الواقع بغضّ النظر من هو الرئيس القادم، وتقديم أوراق اعتماد جديدة من نتنياهو كلاعب وفق المنطق الأمريكي للرئيس الجديد.
إن التطاول على إيران اليوم، واستهداف قنصليتها في دمشق بالأمس لاشكّ أنه يأتي في سياق خلط الأوراق وفرض منطق الحرب المفتوحة، وقطع الطريق أمام أي حالة من التهدئة الإقليمية انطلاقاً من التقارب السعودي الإيراني، أو ما ستفرزه الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة.
أما في البعد الداخلي، وهو الأهم، فيسعى نتنياهو لتغيير قواعد الاشتباك بعد أن واجهت حكومته انقسامات في قضايا عدة، من بينها إدارة حرب غزة. صحيح أن نتنياهو سيحصل، في الوقت الحالي على الأقل، على ما يريده، إذ يمكن أن يشكل إدخال المنطقة في حالة توتر مقصود نوعاً من التعويض السياسي والدبلوماسي والإعلامي لنتنياهو لاستغلاله داخلياً واستثماره سياسياً ومحاولة استعادة هيبة الردع، لكن من المؤكد أن ائتلافه سينقلب عليه، فالموقف يمكن قراءته كمحاولة إسرائيلية لجرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية، أو كرغبة من نتنياهو لتحقيق نصر يجذب تأييد الإسرائيليين.
صحيح أن هناك خللاً أخلاقياً أميركياً، وأن الاعتداء على إيران خرق فاضح للقانون الدولي واعتداء على سيادة دولة، ومحاولة مكشوفة لجرّ المنطقة إلى حرب واسعة، لكن من الواضح أن واشنطن غير معنية بتوسيع الصراع، على الأقل خلال هذه الفترة، ولكنها معنية بإخراج “إسرائيل” من المواجهة لترتيب وضع إقليمي يخدم مصالحها ومصالح “إسرائيل”، لأنه منذ عودة “إسرائيل” لاحتلال غزة في تشرين الأول الماضي، كان الهدف الرئيسي لسياسة بايدن الخارجية هو إبقاء الصراع في غزة محصوراً فيها.
اليوم تتصاعد المخاوف في واشنطن ليس فقط من الفشل في احتواء الحرب أو منع التصعيد، بل من إمكانية أن ينجح نتنياهو في نهاية المطاف بجر الولايات المتحدة إلى المستنقع في المنطقة، أما فيما يخصّ أن الإسرائيليين يتركون واشنطن تتفاجأ بحرب كبيرة ذات تداعيات بعيدة المدى على المنطقة بأسرها، فهذا أمر يثير تساؤلات كثيرة وكبيرة حول طبيعة العلاقة الخاصة بين نتنياهو وبايدن، خاصةً وأن الاعتداء على السيادة الإيرانية جاء بعد أيام من زيارة نتنياهو لواشنطن.
منذ عملية “طوفان الأقصى” وفتح جبهات الإسناد للمقاومة في غزة، سارت الأحداث بشكل حقق لمحور المقاومة مكسباً إستراتيجياً هو القضم التدريجي لمفهوم “الردع” الإسرائيلي بمعناه الإستراتيجي والإقليمي، لذلك فإن مجرمي الكيان يعملون ليل نهار على افتعال أي مغامرة مهما كانت جنونية على أمل ترميم التآكل الحاصل وإعادة الوضع إلى المربع الأول، أي ضرب مفهوم الردّ الإستراتيجي لمحور المقاومة، فضلاً عن ترميم مفهوم الردع الإستراتيجي لـ “إسرائيل” بكليته.
ولكن، في التقدير الإستراتيجي، كلّ المعطيات تشي بأن القرار سيكون وازناً، وقد يتمثل بالذهاب إلى ما يشبه نسخة ثانية من عملية “الوعد الصادق”، أي ضرب مباشر ومعلن ورسمي لأهداف داخل “إسرائيل”، لكن بمفاجآت يحتفظ المحور لنفسه باتخاذها.