عدنان خلوف: استخدام الفن في العملية التعليمية من أحدث الاستراتيجيات
حمص- عبد الحكيم مرزوق
من الوسائل الحديثة التي تستخدمها أحدث النظم التعليمية في العالم، استخدام الفن في التعليم، حيث إنه من الهوايات المحبّبة لطلاب المدارس، كما أن الكثير من الاختصاصيين النفسيين يوصون بتعزيز هذه الهواية عندهم، ما يؤدي إلى كسر حاجز الملل لديهم على مدار اليوم الدراسي. يقول الفنان عدنان خلوف إن استخدام الفن في العملية التعليمية يعدّ من أحدث استراتيجيات التدريس في كبريات الجامعات العالمية، بالإضافة إلى العمل على إخراج كوادر فنية وطنية تمتلك المهارة والدراسة للعمل في هذا المجال المتشعّب والذي يرتبط بالعديد من المجالات العلمية والأدبية، وخاصة مع توسع الدولة في الفنون من إنشاء متاحف ومعرض الفنون والرسم، كما أن مادة الفنون هي المادة الرئيسية في علوم التصميمات والهندسة.
تخرّج خلوف من معهد إعداد المدرسين عام ١٩٧٤، وعمل في تدريس مادة الفنون بالمدارس الرسمية في مدينة حمص، وفي معهد إعداد المدرسين لمادة الخط العربي والعمل اليدوي، وبعد التقاعد التحق بمعهد الثقافة الشعبية لتعليم الخط العربي، مشيراً إلى أنه صقل موهبته منذ الصغر بالدراسة. وعن بدايته في الرسم ودخول مجال الفن قال: “منذ الصغر وأنا ألقى تشجيع الأسرة ودعمها في هذا المجال، واستكملت دراستي في التربية الفنية بالمعهد الإعدادي وتخرجت منه لأتجه إلى العمل في مجال التدريس، والاستمرار في الرسم والمشاركة في العديد من المعارض مع طلابي وبإشرافي”.
وفيما إذا كان يعتقد بأن فنّ الرسم دراسة أم موهبة، أوضح أنه موهبة يجب دعمها بالدراسة وصقلها بدراسة أنواع الفنون والمدارس العالمية وبالممارسة، وسورية تزخر بالعديد من الرواد في هذا المجال، كما أنشأت الدولة معاهد وجامعات لتدريس هذا الفن الذي ساهم في رسم صورة حضارية نعيشها في الفترة الحالية.
وعن تدريس مادة للرسم في المرحلة الثانوية أوضح خلوف: “كانت تدرس مادة الفنون والرسم ضمن المناهج الدراسية بجميع المراحل الدراسية، وأضاف: “كنا نعمل في المدرسة كفريق دعم لبقية المواد الدراسية في رسم لوحات توضيحية وبعض الرسومات الهندسية وهي من الوسائل المساعدة في عملية التعلم، والتي تساعد الطلاب على عملية الفهم والإدراك، فمن دون رسومات لن يستطيع الطالب استيعاب المواد الدراسية التي تحتاج إلى صور، كمادة الأحياء والجغرافيا، كما نساعد الطلاب في عملية البحث العملي، حيث نبني مجسمات خاصة باختراعات الطلاب وأبحاثهم العلمية، وقد شارك العديد من الطلاب بالكثير من المجسمات والرسومات التي بنيت بقسم الفنون، في مسابقات محلية كثيرة.
وفيما إذا كان لمادة الفنون والرسم أثر إيجابي على الطلاب، أكد خلوف أن العديد من الدراسات أظهرت أن الفنون وممارستها تعمل على تهذيب النفس البشرية وترتقي بها، وقد لاحظنا أن الطلاب الذين لديهم فرط حركة عند توجيههم لممارسة هوايات الفنون في الرسم أو لعب الرياضة البدنية تتحسّن أخلاقهم ويستقيم سلوكهم، هذا بالإضافة إلى أن الفنون تعمل على رفع المستوى الأكاديمي للطلاب وتحسّن ذكاءهم واستيعابهم في الدراسة وخاصة المواد العلمية، كما أن تخصيص حصة للرسم وسط اليوم الدراسي يعمل على كسر روتين وملل اليوم الدراسي، ويعطي فرصة للمخ للاستراحة وممارسة هوايته التي يبدع فيها، ويجعله قادراً على استيعاب المواد الدراسية بعد هذه الحصة، وأضاف: مما لا شكّ فيه أن الرسم من الفنون الراقية التي تعمل على تهذيب النفس وتربية الأطفال، وتنمي المواهب، كما أن الفنون تستخدم في التربية والمحافظة على البيئة، إذ ظهرت في الآونة الأخيرة أعمال فنية تستخدم النفايات وتعيد تدويرها للتوعية بمخاطر الاستخدام السيئ لبعض المواد وأضرارها على البيئة.
وعن استخدام الفن في تنمية المشاعر الوطنية قال خلوف: “مما لا شكّ فيه أن الفن والرسم يعملان على دعم المشاعر الوطنية لدى الطلاب، وذلك من خلال رسم البيئة السورية المتنوعة والغنية والزاخرة والعامرة بلوحات فنية طبيعية تنمي مشاعر حبّ الوطن لدى الطلاب الذين لديهم موهبة الفن، كما أن اللوحات الفنية التي ترصد الحياة القديمة في سورية والحروب القديمة التي قادها الأجداد لترسيخ الدولة وإقامة حدودها، تعمل على ترسيخ حبّ الوطن لدى النشء الجديد، وهذا يقوم على تخيلات الفنانين بناء على قراءة التاريخ السوري، ما يجعله يبدع في رسم اللوحات الجميلة التي ترصد هذا التاريخ، كما تعمّم تلك الرسومات في كتب التاريخ والتي تعزز الموضوعات التاريخية، وبالتأكيد إقامة العديد من المتاحف الفنية يعدّ من الأشياء الملهمة للفنانين والشباب المبدع، ويعمل على زيادة مشاعر حب الوطن لدى الشباب والفتيات”.
وعن وجود مواهب فنية في المدارس التي درّس فيها قال: “يوجد العديد من الطلاب لديهم مواهب الفن والرسم، ونعمل على دعمها وتنميتها في المدرسة، وأتوقع أن هؤلاء الطلاب سيكونون لبنة وعنصراً أساساً في تكوين البنية التحتية للفن الحديث، ونأمل أن يكون هؤلاء الطلاب بذرة جديدة لتكوين مجتمع الفنانين، حيث نبدأ بتعليمهم أساسيات الفن ثم العمل بالقلم الرصاص ثم الألوان المائية، وصولاً إلى مرحلة اللوحات الزيتية وهي من مراحل الفنان المتقدمة، وذلك من خلال إحياء مادة الفنون والرسم في المدارس، وإعطائها حقها من الاهتمام، كذلك لا بدّ من أن تأخذ هذه المادة نصيبها من اهتمام المسؤولين في وزارة التربية من خلال توفير الحصص الدراسية وعمل المراسم في المدارس، كما نطالب بإعادة افتتاح أقسام الفنون في كلية التربية لدعم مواهب الطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم العليا في كلية الفنون كالرسم والنحت وغيرها من الفنون الحديثة والمعاصرة”.
ورداً على سؤال إذا كان عمله في التدريس جاء من خلال الدراسة أم رغبة؟ قال: “أعتقد بأن معلم الفنون يجب أن يجمع بين هوايتين جميلتين هما الفن والتدريس، الذي أستطيع وصفه بأجمل المهن الموجودة على مرّ التاريخ، فالمعلم فنان في مهنته، لديه أدواته التي يستخدمها في لوحاته بالحصة المدرسية، وهو الذي يستطيع جذب جميع حواس الطلاب واستخدامها في عملية التعلم ليخرج بعد ذلك لوحته الجميلة وهم طلاباً متعلمين وعناصر مفيدة لمجتمعهم، وكما أنّ الفنان يفرح ويبلغ منتهى السعادة عندما ينتهي من عمله الفني وتخرج لوحته الفنية في أبهى حللها، كذلك المعلم يبلغ منتهى سعادته عندما يخرج جيلاً جديداً من الشباب المتعلم والمثقف والواعي بأهمية العلم ويكون مفيداً لوطنه ومجتمعه، فكلّ شخص هو فنان في مهنته”.