الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

عقيدة سامّة مُسمِّمِة

 عبد الكريم النّاعم

“أنا هو الربّ ألأهُك، لا تَقتلْ فرداً واحداً.. بل أَبِدْ الشعوب، لا تَسرقْ وحدك، بل علّمْ شعبك كلَه سرقة الأمم.. لا تَشْتهِ امرأة قريبك فنساء الأرض كلّها مُباحة لك، وشعوب الأرض وأملاكهم أيضاً، أنا أَدفعُهم إليك.. أنا أُبيد الأمم لأجلك، وأَطرد الشعوب فتشبّه بي وإلاّ فإنك نُخطئ”.

هذا ما جاء في سفر الخروج من “التّوراة” المُتداوَلة، وهم يزعمون أنّه كلام الرب لبني إسرائيل، وكم أستغرب كيف استطاع الصهاينة إقناع الكنيسة المسيحيّة بربط التوراة بالإنجيل المسيحي، لشدّة الفارق الكبير بين الروح المسيحية السمحة المتساهلة، المرهَفة، الرقيقة، وروح النصّ التوراتي السابق، وهو مجرّد نموذج عن روح التوراة..

ليس الغرض مناقشة تلك الخطوة، بل الغرض إعادة التذكير بأنّنا لا نقاتل عدواً مدجّجاً بالسلاح فحسب، بل هو قائم على عقيدة لا علاقة لها بروح الوحي السماوي، ولا بأفكار الحكماء الإلهيّين والمصلحين الاجتماعيين، بل هي عقيدة متوحّشة، مترفِّعة، فبحسب اعتقاد الصهاينة أنّهم وحدهم شعب الله المختار، وأنّ الله لهم وحدهم، وبقيّة البشر والمخلوقات الأخرى هي بمرتبة الحيوان، وُجِدت لتليق بخدمة بني إسرائيل.

نشير إلى أنّ الوصايا العشر، مع قيمتها الجوهريّة، فهي صهيونيّاً، نهي عن ارتكاب ذلك بحقّ اليهوديّ لا غير، أمّا الأغيار، فكلّ ما فيهم مُباح وحلال، هذا الموضوع أُشبع دراسة، وتفنيداً من قبل أساتذة عدّة مشهود له بدقّة المتابعة، والكفاءة، وقصدي من ذِكْره مجرّد إعادة قرع الجرس أنّنا نواجه عدوّاً يرى أنّ ما يُدمّره من بشر وشجر وحجر هو واجب إلهي بالنسبة له، وهذا يستدعي النصّ المحمّديّ حين أرسل سريّة في مهمّة حربيّة فقال لهم ما خلاصته “لا تقتلوا شيخاً، ولا امرأة، ولا طفلا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تردموا بئرا”، وهذا فالق نوعي لا يمكن ردْمه.

هنا لابدّ من عدم نسيان أنّ رؤساء الويلات المتحدة الذين عرفناهم كلّهم مرتبطون بصيغة ما بالصهيونيّة، وهذا يجعل المسألة أكثر تعقيداً، وضراوة، وأنْ لا مجال للحلول الوسط، إلاّ من باب التكتيك والاستفادة من زمن ما.

إنّ مَن لا يقف في وجه هذا التيار من مسؤولين عرباً ومسلمين هو منحاز بشكل ما، أو مُجبَر على الانحياز للوقوف في صفّ العدوّ، ولن تنظّفه من ذلك ينابيع العالَم الصافية.

تتمّة لروح النصّ التوراتي اليهودي نورد ماجاء في البروتوكول الأوّل لـ”حكماء صهيون”: “حقُّنا يستمدّ من قوّتنا، فما الحقّ سوى فكرة نظريّة بحتة لا علاقة لها بالواقع، بل إنّه لا معنى حقيقيّاً لها سوى أن تعطيني كلّ شيء أريده لأنني الأقوى، وينبغي أن يكون شعارنا القوّة تصنع الاعتقاد”، هذه الفقرة إذا أُضيفت إلى النصّ التوراتي المذكور آنفا تضعنا أمام واقع مفضوح وهو أنّ هذا العدو لا تحكمه أيّ مبادئ أخلاقية، بمعنى الأخلاق المتعارَف عليها، كما أنّه لا يقبل الانضواء تحت أيّ قرار يُتَّخذ تتّخذه أيّ هيئة من هيئات الأمم المتّحدة، وهذا ما ترجمتْه إسرائيل منذ منتصف القرن الماضي حتى الآن، مدعومة دعماُ أعمى من واشنطن، وهذا يؤكّد أنّ أيّ رهان على القرارات الدوليّة الشرعيّة الصادرة بشأن فلسطين هو رهان خائب، وأنّ مَن يعتمد عليها إمّا جاهل بمنطق الأحداث، أو متواطئ، وأنّ الخيار الوحيد هو خيار امتلاك القوّة، لأنّ الحديد لا يفلّه إلاّ الحديد، وهذا يُسقِط  أوراق التوت التي يتوهّم البعض أنّها تستر عوراتهم…

aaalnaem@gmail.com