“ما وراء الضباب”.. صوت سابح في صمت مطالع الأطلال المعاصرة
حمص- عبد الحكيم مرزوق
أقام المركز الثقافي العربي في حمص، حفل توقيع مجموعة شعرية جديدة للشاعرة لينا حمدان بعنوان “ما وراء الضباب” في قاعة الدكتور سامي الدروبي، وذلك بحضور جمهور من المثقفين والأدباء ومتابعي الأنشطة الثقافية.
وفي البداية، عُرض فيلم توثيقي تعريفي بالشاعرة ومجموعاتها الشعرية التي أصدرتها، بالإضافة إلى تقديم بعض المقطوعات الشعرية المنتقاة، ثم قدّم الناقد محمد رستم مداخلة قال فيها: “تضمّ هذه المجموعة اثنتين وخمسين قصيدة توزعت بين قضايا الوطن وتأملات للحياة، وقصائد للأب وللأم، وقصيدة رثاء للشاعر محمد الفهد، لقد أجادت الشاعرة تجسيد الظاهرة الأسلوبية كوسيلة تقنية نظراً لامتلاكها أدواتها الفنية باحترافية عالية من خلال حساسية ذوقها وخبرتها ودربتها، فهي تعرف الأدوات الفاعلة في الخطاب الشعري، إنها تدخل الحوار المسرحي الذي يضجّ في النص روح الحماس والحيوية كما في قصيدة “الإيمان”، ما يجعل أكثر عباراتها من النوع الإنشائي، وتعتمد تراسل الحواس كلغة شاعرية جميلة كما في قولها “لأني بريق لصوتك أشتاق لون اخضرارك”، مشيراً إلى إبداعها صوراً حداثية، ومبيناً أنها حققت مقولة إن الشعر هو سفر في عالم المجاز والأخيلة عبر خصوبة اللغة، إنه توثيق للذات عبر مدارج الزمن والمكان وانخطاف هذه الذات إلى المرئي وما وراء المرئي، وإلى تفجر الحواس والغوص في الرؤيا، وهي تطرح الأسئلة الوجودية الكبرى بعمق فلسفي.
بدوره، قدّم الشاعر طالب هماش دراسته النقدية تحت عنوان “رمزية البحر الكبيرة” قال فيها: “إن مفردات الضياع والغربة والاختناق والفقد والوحشة تسيطر على لغة الشاعرة، فتخط بقلمها المترع بالدموع أبياتها الدالة على الضياع والتشتت والرحيل، وترسم بالكلمات ذات الرجع الجريح صورتها الذاتية الموسومة بافتقاد الألفة والحنين والاشتياق الموجع إلى الوجوه الغائبة، وكلما كان البيت الشعري قوياً كلما عظم الإحساس بالحزن الخلاق عظم الشعر المترع بالإنشاد والشجن”.
ورأى هماش أن النبرة الرثائية للغة الشاعرة المتحطّمة على حجر الحزن تشكل خلفية رمادية لخطابها الشعري ملاذها في معظم النصوص، البحر الذي يعدّ من أكبر الرموز الخلاقة للشعراء المسكونين بهاجس الفقدان والنافذة اليتيمة للعيون الحالمة بالبعيد حيث المصير الغامض واللغز المحير للخلود، مشيراً أيضاً إلى أن الشاعرة تدرك أن الشعر ليس سوى ترجيعات لروح ضائعة في منافي الحياة العقيمة، وأنها تغني عن طيب خاطر غناء يشبه الحسرات، وهي تبصر نذر السوداوية تحوم في الأفق، وتستمع إلى الجانب الكئيب من الموسيقا التي تسود البلاد، ومع ذلك نظلمها إذا توغلنا في هذا المساء اليائس من شعرها، وأهملنا الجانب المشرق لعلاقتها بالطبيعة وإن خالطها شيء من الرومانسية الحزينة، وختم بالقول: “صوت الشاعرة لينا حمدان في هذه المجموعة سابح في الصمت الطويل لمطالع الأطلال المعاصرة حيث تعيش القصيدة العربية على مشارف الأفول”.
ولم تنكر الشاعرة لينا حمدان في الختام اكتشافها أنّ مجموعتها مليئة بالحزن ولا تعرف لماذا، ثم ألقت بعض المقطوعات الشعرية، وبعدها وقعت مجموعتها للحضور.