العربدة الإسرائيلية لماذا ؟
د . خلف المفتاح
خلال أقل من أسبوع قام الكيان الإسرائيلي بعدة عمليات عسكرية عبر قواته العسكرية واستخباراته تمثلت بعدوان على اليمن، واستهداف لأحد قادة المقاومة اللبنانية في الضاحية الجنوبية، واغتيال إسماعيل هنية في طهران، ولعل أغلب العمليات تلك أعقبت زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لواشنطن وإلقائه كلمة أمام أعضاء الكونغرس الأميركي، ولقاء الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كاملا هاريس، والرئيس السابق دونالد ترامب.
والسؤال الآن لماذا كل هذا التصعيد الذي يقوم به الكيان الإسرائيلي بقيادة نتنياهو الذي يبدو بشكل واضح أنه ماض حتى النهاية ليحقق ما أعلنه من أهداف بعد معركة طوفان الأقصى إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
وللإجابة على ذلك يمكننا القول أن نتنياهو وجهاز استخباراته وجيشه شعروا بأن صورتهم في الرأي العام الإسرائيلي وبعض حلفائهم قد اهتزت، أو تغيرت فكان لابد من إعادتها إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر، حيث جرى الحديث عن فشل الاستخبارات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي في اكتشاف الهجوم الناجح الذي قامت به المقاومة في غزة وأدى إلى مقتل المئات من الصهاينة، واحتجاز وأسر أعداد كبيرة منهم، أو على الأقل ردعه فجاءت العمليات الأخيرة سواء في اليمن أو لبنان أو إيران لإعادة الاعتبار إلى المؤسستين العسكرية والأمنية، وإعطاء رسالة أن “إسرائيل” وجيشها واستخباراتها قادرين على الردع والضرب في أكثر من مكان، وتحقيق نتائج عملية بغض النظر عن تبعاتها وأسلوبها. وبالإضافة إلى ذلك شعر رئيس وزراء الكيان الصهيوني أنه لم يستطع تحقيق ما أعلنه من بنك أهدف بعد العدوان على غزة والمتمثلة بالقضاء على المقاومة، والسيطرة على كامل غزة، ووضع نظام أمني فيها، واستعادة الرهائن والمختطفين ما شكل ضغطاً هائلاً عليه في داخل الكيان الصهيوني، ولاسيما من المعارضة وأهالي الأسرى، وبداية تفكك التحالف الذي يرأسه وصولاً للدعوة لاستقالته، ومحاكمته على التقصير في الحرب، فوجد في تلك العمليات التي قام به جيش العدو واستخباراته فرصة ووسيلة لاستعادة صورته العسكرية والسياسية لجهة أنه حقق انتصاراً خارج معركة غزة يعوضه عن فشله فيها، ويمنحه زخماً لاستمرار عدوانه وإجرامه في غزة، الذي يرى فيه السبيل الوحيد لاستمراره في الحكم لأطول مدة ممكنه، مع مراهنة على زمن مفتوح للصراع القائم يعتقد نتنياهو أنه سيغير في موازين القوى الدولية والإقليمية، وعلى مستوى الساحة في غزة سيصب في مصلحته، سيما وأنه يراهن على عودة الرئيس الأميركي السابق ترامب إلى سدة البيت الأبيض، وهو الذي قدم للكيان الصهيوني ما لم يقدمه أي رئيس أميركي لـ “إسرائيل”، إضافة إلى تطابق رؤى نتنباهو وترامب في العديد من القضايا والتحديات القائمة، ولاسيما الموقف من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي يرى فيها القادة الصهاينة العدو الأول والخطر الوجودي الأساسي الذي يهدد أمن “إسرائيل” ومستقبلها، والداعم الأساسي والقوي لحركات المقاومة ومحورها في المنطقة .
لقد تركزت إستراتيجية رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بعد الفشل في تحقيق كامل الأهداف من العدوان على غزة على السعي لتوسيع دائرة الاشتباك، ومحاولة توريط أميركا في الصراع عبر تكرار روايته التي سعى حثيثاً لتسويقها، والمتمثلة بأنه يحارب أعداء أمريكا في المنطقة وبالنيابة عنها، وهو ما أتى عليه عدة مرات في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، وما لقيه ذلك من درجة قبول عند أكثريتهم.
إضافة إلى قناعة بعض النخب السياسية ولاسيما في الحزب الجمهوري بتلك الرواية الكاذبة، مع الإشارة إلى أن المتابع لردود الفعل عن زيارته تلك يلحظ بداية تغير في بعض الأوساط الأميركية من النظرة والموقف من “إسرائيل”، وسياساتها ولاسيما بعد الذي جرى في غزة من إجرام وقتل وعمليات إبادة لا تخفى على عين، وانعكاسات ذلك على قطاعات واسعة من الرأي العام الأميركي ولاسيما الطلبة وشريحة الشباب، واحتمالات انعكاس ذلك على المستوى السياسي مستقبلاً .
إن حالة النشوة التي شعر بها قادة الكيان الصهيوني بعد الذي جرى في اليمن ولبنان وإيران من عمليات عسكرية وأمنية واستهداف لقادة عسكريين وسياسيين ومقاومين، وكذلك ما جرى في الجولان العربي السوري المحتل من مجزرة يندى لها الجبين طالت مدنيين سوريين معظهم من الأطفال، كل ذلك المناخ الذي تشكل لن يكون سوى فقاعة لابد أن تنتهي بعد استيعاب محور المقاومة وامتصاصه لما جرى، وعدم انجراره وراء ردة الفعل التي توقعها العدو وشركائه والمراهنين عليه، مع القناعة الكاملة بأن رداً مناسباً وقوياً ومؤلماً سوف تتلقاه سلطات الاحتلال، وهذا الكيان المجرم جزاء لما ارتكب من إجرام تجاوز كل الخطوط الحمر وغيرها، ما يجعل العدو يدرك حقيقة أنه ليس ذلك الذي يملك أو يستعيد زمام المبادرة وتحديد قواعد الاشتباك وجغرافيا الصراع واستطالاتها، وإنما محور المقاومة وجبهاته المتعددة والمفتوحة على كل الاحتمالات.
فإذا كان العدو الصهيوني قد استفذ كل أو أكثر أوراقه وعناصر قوته واستنزفها، فإنه وعلى المقلب الآخر، وهذا ما يعلمه العدو وحلفائه فلازالت قوى المقاومة سواء في غزة أو الضفة الغربية أو في لبنان وباقي الساحات تملك الكثير الكثير من أوراق القوة الحقيقية التي لم تستخدمها إدراكاً منها أن المعركة طويلة ومفتوحة على كل احتمالات التصعيد في الدرجة والنوع ومساحات الاشتباك، والمهم في هذا الإطار والفهم الاستراتيجي للصراع القائم هو شكل نهاية هذه المواجهة، ومن يصل منتصراً في نهاية السباق لا في حركات على الجانبين.