“سقط العطر من كفه” عاطفة شفافة تهيم في فضاءات حب خاص
ملده شويكاني
“سقط العطر من كفه” عنوان شاعري يلفت انتباه المتلقي ويشدّه إلى الصورة الشعرية والدرامية لتخيّل المشهد، وهو مجتزأ من القصيدة النثرية للشاعرة طهران صارم:
سقط العطر من كفه
وأنا على الشرفة
مازلتُ أرقب زوبعة الكلام
وقد اختاره رئيس المركز الثقافي العربي في “أبو رمانة” عمار بقلة ليكون عنوان الأمسية الشعرية، بمشاركة عدد من الشعراء وإدارة الشاعرة طهران صارم.
وارتبطت الأمسية في جانب ما بالعلاقة التواشجية التي تربط بين العطر والحبّ، التي استلهم منها عدد من الشعراء أجمل الصور، حتى إن نزار قباني رأى أن العطر لغة مثل سائر اللغات “العطر لغة، لها مفرداتها وحروفها وأبجديتها”.
واتسمت الأمسية بروح عاطفية شفافة تهيم في فضاءات صور مختلفة للحب الخاص الذي يعني الوطن والاحتواء للعاشق، إلى الوطن بمعناه الشامل والمباشر.
بداية رحبت طهران صارم بالحاضرين بقراءة نص من مجموعتها “لحن الغريب” تحاور فيه الشعر بحضوره البهي:
هو الشعر، زائري هذا المساء
يا أيها العشق النبيل
تمرّ من بوابة الوقت
تصاحب الدهشة …
ومن ثم باح الشاعر ممدوح سليم بأوجاع الوطن من خلال حوارية شعرية بينه وبين ابنته، معتمداً الشكل العمودي التقليدي للقصيدة والأسلوب الإنشائي بأنواعه، وخاصة النداء والاستفهام، وتحت عنوان “حنين” تغنت حنين بصفات الأب السند:
قالت حنين: دهاك الهمّ يا أبتي
إلى متى بهموم العيش تنشغل
انظر لوجهك في المرآة قد تركت
فيه التجاعيد ما تدمى له المقل
مالي سواك، فرأسي أين أسنده
إذا انكسرتَ، وإن ضاقت بي الحيل؟
ويشاركه عادل كنهوش الصعاب التي يواجهها وطننا نتيجة تبعات الحرب الإرهابية، مظهراً الترابط الوثيق بين الشعر والواقع، وما تحمله القصيدة من صور ومفردات تعبّر عن معاناة الحصار والحرب بشكلها العمودي، مازجاً بين الأسلوبين الخبري والإنشائي، وجاعلاً القصيدة قدراً من أقدارنا المكتوبة، ومن “قدر القصائد” نختار:
قدر القصائد أن تشي أوجاعها
لتكون صرخة وتحتفي بسماعها
وتقول أشياء تعذر قولها
وهي الجريئة حين يلوى ذراعها
وبها لصوت الحق نبرة ثائر
لا جبن فيها والشجاعة شراعها
كما ألقى قصيدة عن دمشق المنتصرة على الحرب الإرهابية تضمنت تناصاً شعرياً مع بيت المتنبي الشهير:
“فصرتُ إذا أصابتني سهام
تكسرت النصال على النصال”
ومن دمشق تابع بقصيدة عن القدس وغزة:
غزة الأبية أعلنت عنوانها
في وضوح تعلموا يا سادة
ومن الشعراء، إلى البصمة الأنثوية بالشعر والاتجاه إلى صور أكثر رقة ودفئاً مع الشاعرة نبال ديبة، التي بنت قصيدتها على المحاورة مع الحبيب الخفي، وأوحت بمشهد عاطفي تتراسل فيه الحواس من خلال الطبيعة، فاختارت صوت النحل والورد بقصيدتها بحر الحبّ، واقتربت من معاني العطر بشعرية مباشرة، مبتدئة بفعل الأمر في مخاطبتها الحبيب ومن ثم اعتمادها على الزمن الحاضر بالفعل المضارع:
نقلّني بين ورد الروض
لكأن فراشات تنتقل
واتركني ساعة أضجر
كي أتوسل للنحل
يجوب زهور وقرنفل
أخشاك إذ تمشي
في عجل
يعني أن اليوم سيمضي
دون وعود
ومن نبال ديبة إلى الشاعرة والفنانة التشكيلية رنا محمود التي رسمت الأنثى بقصائدها كما تجسدها بمنحوتاتها قوية شامخة محبة معطاءة، مبتدئة بالعلاقة بين اللوحة والقصيدة، وتابعت برمزيتها التعبيرية عن حضور الأنثى:
وأنا الخارجة من الركام
كطفلة ضاقت أحلامها
وعلى ظلها ينام الغاوون
في كل مرة.. في كل مرة أجمع الضوء
وأنثره.. ظلاً ساقطاً على الأرض
أما مشاركة المترجمة والأديبة كنينة دياب فاتسمت بمشهدية رائعة بدت فيها روح القصة الشعرية وطغت فيها عاطفة الأنثى في قصيدة “كسرة شوق”، مصوّرة حنانها حينما تضم يد الحبيب بإيقاع درامي وموسيقي، لكن الحب لا يدوم فتبحث عن الملاذ في الشطآن، راسمة بالكلمات حكاية عاطفية بين الماضي والحاضر:
يدك التي كنتُ إلى قلبي أضمها
وأغفو على وشوشتها
أعدّ أصابعها
وكل شريان
كما كل مسامها
أعانق كل أمان الدنيا
لتنتقل بالمشهد العاطفي إلى الفراق والضياع موظّفة حبات الرمل بدلاً من حبات المطر التي يكثر استخدامها بالشعر:
ورحتُ أتسلل بين حبات الرمل
على الشطآن
وفي بداية القصيدة يبدو تأثرها بقصيدة نزار قباني “قطتي الشامية”:
أضناني البرد فكومني
داخل قبضتك السحرية
وتابعت بالقصيدة الساخرة التي تعبّر بتورية عن التعددية العاطفية التي يعيشها الرجل، في قصيدة “عاشق مستعمل لتصل إلى نتيجة” وأنا أحلم بحب لا وجود له”، وقد تضمنت قصيدتها التناص الغنائي للزمن الجميل بتورية عن فقد الحب الحقيقي:
أستمتع بلحن غناه عبد الحليم
أو وردة.. وأم كلثوم..
وكبرتُ وأعجبتُ أكثر بعبد الحليم
لم يعجبني عبد الوهاب أبداً