قلق أوروبي من عودة ترامب إلى البيت الأبيض
ريا خوري
منذ أيام، حذّر المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب مجدداً من أن بعض حلفاء الولايات المتحدة لا يدفعون ما يكفي عندما يتعلق الأمر بالتزاماتهم الدفاعية الوطنية في خطاب انتخابي في ساوث كارولينا، قائلاً أمام مناصريه: “أنت لم تدفع.. أنت جانح.. لا، لن أقوم بحمايتك وحراسة بلدك.. عليك أن تدفع ما يترتب عليك من فواتير”.
اعتاد المراقبون والمحلّلون السياسيون على توبيخ ترامب المتكرّر لحلف شمال الأطلسي، لكنه الآن أطلق هجومه الأكثر شراسةً وتطرفاً، عندما قال إنّه سيشجّع روسيا الاتحادية على مهاجمة الأعضاء الذين لم يوفوا بالتزاماتهم المالية، حيث دفعت هذه التعليقات المتتالية ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، إلى حثه على عدم تقويض الأمن الجماعي للدول الأعضاء.
ومنذ تلك التصريحات، بدأت الدول الأوروبية تتحسّب من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فالقارة الأوروبية تشعر بقلق شديد من هذه العودة خشية تكرار سيناريو العلاقات معها على الصعيدين الاقتصادي والعسكري والدفاعي، وتكرار السيناريو عندما فرض رسوماً جمركية عالية على واردات الألمنيوم والحديد والصلب الأوروبية بقيمة أربعة عشر مليار يورو في العام 2018 لأسباب عديدة، أهمها يتعلّق بالأمن القومي، وحينها ردّ الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية بقيمة مليارين وثمانمائة مليون يورو على واردات أمريكية لإعادة التوازن الاقتصادي.
كما بدأت القارة الأوروبية تشعر بالقلق في حال عودته رئيساً للولايات المتحدة، وتمسكه بشعار (أمريكا أولاً) بما يعنيه ذلك من تخلٍّ عن التحالف الاستراتيجي لحلفاء الولايات المتحدة عبر الأطلسي، وخاصة بعد اختيار ترامب لجيمس ديفيد فانس نائباً له وهو المعروف بموقفه المعارض لأوروبا وحلف (الناتو).
هذا الموقف الذي يتبناه ترامب دفع روب جونسون أحد كبار المسؤولين العسكريين في وزارة الدفاع البريطانية للتحذير من مرحلة مظلمة للغاية قادمة، وقلقه من ضعف وتلاشي قوة حلف شمال الأطلسي مع تراجع اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية به.
كذلك فإن قيادات دول الاتحاد الأوروبي يبدون قلقاً بالغاً تجاه فوز ترامب ونائبه بالنسبة للحرب الدائرة في أوكرانيا، فقد قال نيلز شميدت، الناطق باسم الشؤون الخارجية الألمانية، إن اختيار السيناتور جي دي فانس عن ولاية أوهايو نائباً لترامب مثير للقلق كون فانس شخصية أكثر راديكالية من ترامب، لجهة رغبته في تعليق جميع المساعدات العسكرية الأمريكية إلى أوكرانيا. وكان جي دي فانس قد دعا في وقت سابق أوكرانيا إلى بدء التفاوض مع روسيا الاتحادية، والتنازل عن بعض أراضيها لإنهاء الحرب الساخنة.
من هنا كانت مطالب وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر، أن يكون لدول الاتحاد الأوروبي حلف عسكري خاص بهم، حيث قال: “إنّ أوروبا بدون القوة العسكرية الأمريكية ومظلتها النووية، قد تشعر إلى حدّ كبير بأنها وحيدة في وطنها ودون سند، وأنَّ الاتحاد الأوروبي لم يعد أمامه أي خيار سوى أن يصبح قوة عسكرية وسياسية في حدّ ذاته تدافع عن أوروبا”.
اقتراح فيشر ليس جديداً، فقد طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد، وتساءل مراراً حول هل ستكون الإدارة الأميركية تسير على النهج نفسه الذي سارت عليه من قبل.
من هنا فإنَّ التحالف الاستراتيجي عبر الأطلسي بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية يمرّ باختبار حقيقي، بل هو في مأزق حقيقي في حال فوز ترامب نظراً لاحتمال اندلاع حرب اقتصادية بين الطرفين تكون تداعياتها صعبة جداً، خاصة وأن لدى دول الاتحاد الأوروبي تجربة قاسية ومريرة معه على المستويات الدفاعية والسياسية والاقتصادية، وهناك قلق كبير من أن تتكرر مرة أخرى.