دعوة إلى مضاربة من نوع خاص.. وتفعيل الإنتاج والصادرات هما القوام الأساسي
حسن النابلسي
لعل من سخرية الاقتصاد أن يصبح سعر الصرف وتذبذباته حديث الشارع برمته، وأن يدعي من لا تمت مهنته أو حرفته بالدولار بصلة أن ارتفاعه أثر على رفع تكاليف إنتاجه، فقد وصلنا إلى مرحلة امتص فيها الدولار دخولنا وهدد مدخراتنا، منذراً بانقراض الطبقة الوسطى وازدياد أعضاء الطبقة الفقيرة وتعميق فقرها، وتعاظم ثروات الأغنياء خاصة المستفيدين من لعبة سعر الصرف إن صح التعبير، فأبطال هذه اللعبة نجحوا إلى حد كبير بإخراج حلقات مسلسل ارتفاع سعر الصرف في متوالية لم يغب عنها العامل النفسي الذي أعطى انطباعاً بتدهور عملتنا الوطنية، ما شجع السواد الأعظم من مجتمعنا على الإسراع بتبديلها بالدولار من استطاع إليه سبيلا إلى جانب الذهب والعقار..!
انتقادات
سيل من الانتقادات وجِّه إلى مصرفنا المركزي نتيجة سياسته النقدية حيال تعاملها مع سعر صرف الليرة غير المستقر مقابل الدولار، وهنا لسنا بصدد تفنيدها، كما أسهب الإعلام خلال السنوات الماضية، لكن واقع الحال يؤكد وجوب تدخل حكومي سريع وعلى جميع المستويات لرأب ما أصاب ليرتنا من صدع قابل للزيادة في حال استمر الوضع على ما هو؛ ونعتقد غير جازمين أن أولى الحلول وأكثرها نجاعة يتمثل بسرعة الحكومة ومرونتها بإيجاد منافذ لتصريف صادراتنا، علّها بذلك تستعيد ما خسرته خزائن المركزي من دولارات في قنوات شركات الصرافة، خاصة وأن لدينا كثير من المنتجات متعطشة لأسواق تستوعبها لاسيما الزراعية منها، وعلى رأسها زيت الزيتون، فبقدر ما تكون حكومتنا قادرة على الولوج للأسواق العالمية، بقدر ما تحقق تدفق قطع أجنبي يقينا شرّ أزمات اقتصادية محتملة ويدعم ليرتنا في آن معاً.
صفقات
ولربما يكمن الحل الثاني بالمضاربة بما تبقى لدى مصرفنا المركزي من قطع، ولا نقصد هنا المضاربة بالسوق السوداء، وإنما المضاربة بتأمين حاجياتنا الرئيسة، بمعنى أن يكون صناع قرارنا الاقتصادي قادرين على إجراء صفقات لصرف القطع في المكان والزمان المناسبين، كأن تسخر لإقامة مشاريع حيوية إنتاجية صناعية وزراعية ذات طابع ربحي، أو نستورد آلات صناعية نوعية لإنتاج صادرات منافسة بالسعر والجودة نشد بها من أزر صناعتنا الوطنية، أي صرف الدولار المناسب في المكان المناسب، ليكون له رجع صدى يطرب أسماع المستهلك قبل الصناعي والتاجر، فبذلك نحقق اكتفاءً ذاتياً ونمتن من أواصر اقتصادنا الوطني.
فاحتياطنا النقدي بلا شك هو أمانة وطنية، ويجب أن يُدار بدقة متناهية لأبعد الحدود، وفقاً لحاجيات المصلحة العامة، وتبعاً للأولويات الوطنية، بحيث تحدد هذه الأولويات بتراتبية (ذهبية – فضية – برونزية)، فالأوضاع غير العادية تستدعي قرارات غير عادية وعلى درجة كبيرة من الدراسة وذلك تفادياً لما هو أسوأ من قادمات الأيام.