أخبارصحيفة البعث

تلغرام ومعركة السيطرة على السرديات في العالم

تقرير- سنان حسن

أثار اعتقال مؤسس ومالك منصة تلغرام الروسي بافل دوروف، جدلاً كبيراً في العالم، ولاسيما بعد الأسباب والمبررات التي أعلنت عنها فرنسا لاعتقاله، والتي رأى فيها سياسيين ومديري منصات تواصل اجتماعي، وصحفيين كبار في العالم، تقيداً لحرية الرأي والتعبير، ومحاولةً مكشوفة لإسكات كل الأصوات التي ترفض الانصياع للسيطرة الغربية الأمريكية، ومنها منصة تلغرام التي ومنذ تأسيسها بقيت منصة محايدة بعيدة عن التجاذبات السياسية الدولية، ولكن لماذا الآن وما علاقة ذلك بالحرب الروسية الأوكرانية، وهل ما يجري مع تلغرام مقدمة لاستهداف باقي المنصات التي لا تدور في فلك السياسية الأمريكية العميقة وفي مقدمتها منصة إكس، والتي توقع نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني أن يجد صاحب منصة “إكس” إيلون ماسك نفسه في وضع مماثل؟.

شكلت مسألة السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي هدفاً أمريكياً مباشراً في رحلة فرض أجنداتها وسيطرتها على العالم، وإن كانت منصات كـ “ميتا” تشكل ذراع ضارب للحكومة الأمريكية ومن يواليها في تزييف الحقائق – العدوان الإسرائيلي على غزة مثال فاضح على ذلك-، حيث قامت “ميتا” بحذف كل المحتوى الفلسطيني الذي يكذب الرواية الصهيونية ويفندها، ولكن منصات أخرى في العالم كانت هدفاً مشروعاً لتحجيمها ووضعها في الجيب الأمريكي، فكان الصراع الكبير على منصة “تيك توك” الصينية، والقرارات التنفيذية التي لا تنقطع من البيت الأبيض لدفع المالك لبيعها ووضع واشنطن يدها عليها، والأمر كذلك ينطبق على منصة تلغرام، التي لا يتوقف الساسة الغربيون عن توجيه الاتهام لها بأنها ملاذ آمن لليساريين والمتطرفين، وأنها المسوقة للرواية الروسية في الحرب على أوكرانيا، وغيرها من البلدان التي لا تدور في الفلك الغربي، والأهم هو الرفض المستمر من مالكها لتمكين سلطات إنفاذ القانون الأمريكي من الوصول إلى بيانات المستخدمين والتحكم والسيطرة بمحتواهم.

كما أن الأمر لم يتوقف عند المنصات والوسائل الموجودة في الدول المناهضة لأمريكا، بل وصل إلى البيت الأمريكي نفسه، حيث تواجه منصة “إكس” المملوكة لرجل الأعمال الأمريكي إليون ماسك نفس الاتهامات، والسبب أن ماسك الذي استحوذ على المنصة بعيد الانتخابات الأمريكية السابقة، أزال كل التقييدات التي تم وضعها على الرئيس السابق دونالد ترامب، وأعاد فتح حسابه والتغريد عليه، الأمر الذي وضعه في مواجهة مباشرة مع الدولة الأمريكية العميقة التي تريد أن تكون كلمتها هي العليا في أمريكا والعالم، ولا تريد لأي أحد و لو كان من عرق العم سام أن يقف بوجهها أو يرفض تنفيذ قراراتها.

إن معركة السيطرة على الرأي العام العالمي، هي معركة مستمرة وليست وليدة اللحظة، والقوى الغربية وفي مقدمتها واشنطن استطاعت من خلال هيمنتها على وسائل الإعلام الكبرى ووسائل التواصل الاجتماعي من فرض سياساتها القائمة على الهيمنة والسيطرة حول العالم، والأمثلة كبيرة، من العراق إلى ليبيا وإيران مروراً بدول أووربا الشرقية والثورات الملونة فيها ووصولاً إلى “الربيع العربي” وأحداث فلسطين.

واليوم إن اعتقال مؤسس تلغرام يأتي في نفس مسار الإخضاع والسيطرة الذي قال سابقاً في تصريحات صحفية: “أمريكا تريد أن يكون تلغرام لاعباً في الجغرافيا السياسية الخاصة بها”، ولكن ماذا عنا كشعوب ودول كيف لنا أن نواجه هذا النوع من الحروب الرقمية؟.