اقتصادصحيفة البعث

لماذا إصرار الحكومة على تخفيض شراء محاصيل الفلاحين؟

علي عبود

لم تتوقف الحكومة منذ مباشرتها مهامها في العام 2021، وحتى بعد أن تحوّلت إلى “تصريف أعمال”، عن تحفيض شراء المحاصيل الزراعية من الفلاحين إلى مستويات دفعت الكثيرين منهم إلى اللجوء لزراعة محاصيل أقلّ كلفة وأكثر ربحاً!
وقد أوحت حكومة تسيير الأعمال، مؤخراً، بقرار من رئيسها، بأنها زادت أسعار شراء محصول التبغ من الفلاحين بمقدار ألفي ليرة عن التسعيرة السابقة، فهل زادت الحكومة فعلاً سعر شراء التبغ، أم قامت بتخفيضه مقارنة بأسعاره ما قبل عام 2011؟

الملفت أن هذه الزيادة كانت بناءً على توصية اللجنة الاقتصادية، واستناداً إلى مقترح المؤسسة العامة للتبغ، وهذا يعني أن وزارة الصناعة، ووزراء اللجنة الاقتصادية مقتنعون بأن التسعيرة الجديدة مجزية وستشجع الفلاحين على الاستمرار بزراعة التبغ، دون أن يجيب أحد من الوزراء المعنيين: هل انخفضت تكاليف زراعة التبغ من محروقات وأسمدة وأدوية.. إلخ، كي تقرّر الحكومة تخفيض سعر الشراء مقارنة بما كان عليه ما قبل عام 2011؟!
والملفت أكثر أن الزيادة جاءت استناداً إلى الدراسة المقدّمة من لجنة التكاليف في وزارة الصناعة، بناءً على الدراسة المقدّمة من اتحاد الفلاحين، وهذا أمر مستغرب جداً، لأن الاتحاد يعرف جيداً أن تكاليف زراعة التبغ في الأعوام الأخيرة مثل المحاصيل الأخرى ارتفعت كثيراً عما كانت عليه ما قبل عام 2011!!
وبما أن اتحاد الفلاحين يشير دائماً إلى تقصير الحكومة بتأمين مستلزمات تنفيذ خطتها الزراعية، فهذا يتطلّب تضمين أي دراسة للتكاليف مستلزماتها من السوق أي بأسعار غير مدعومة، وبالتالي يجب أن يكون سعر الشراء أكبر بكثير من أسعار شراء ما قبل عام 2011.. فهل راعت اللجنة الاقتصادية هذا الأمر؟
وفي وقت ترتفع تكاليف الإنتاج عاماً بعد عام بسرعات صاروخية، فإن أسعار شراء المحاصيل ترتفع “ورقياً” بسرعة السلحفاة، بل إنها كقوة شرائية لليرة انخفضت مقارنة بأسعارها ما قبل عام 2011!
ووفقاً لقرار رئيس حكومة تصريف الأعمال، فإن سعر كيلو التبغ أصبح يتراوح حسب الأنواع (اكسترا، برلي، فرجينيا، شك البنت كاتريني) بين 25 و30 ألف ليرة، أيّ بين (2 – 2.4 دولار) حسب سعر الصرف الرسمي (12500 ليرة).

حسناً.. كان سعر شراء كيلو التبغ 123 ليرة في عام 2010 (2.64 دولار) حسب سعر الصرف آنذاك (46.5 ليرة)، أيّ إن حكومة تصريف الأعمال قامت بتخفيض سعر شراء كيلو التبغ مقارنة بما كان عليه منذ 15 عاماً، على الرغم من رفعها لكلّ مستلزمات الزراعة وتحديداً الإستراتيحية.. فعن أيّ زيادة يتحدثون؟!
ومن يصرّ على تخقيض سعر شراء سلعة أساسية، كالقمح التي تعتمد عليها غالبية الصناعات الغذائية الضرورية لصحة ملايين الأسر السورية، لن يتردّد بتخفيض شراء سلعة مضرة بمستهلكيها، فقد خفضت الحكومة سعر شراء كيلو القمح من 20 ليرة (0.42 دولار) في عام 2010، وكان سعر المازوت المدعوم 15 ليرة، إلى 5500 ليرة (0.4 دولار) في عام 2024 (ليتر المازوت المدعوم 2000 ليرة).

الخلاصة: لم تترجم الحكومة التي تحوّلت إلى “تصريف أعمال” خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أقوالها بأنها حريصة على دعم القطاع الزراعي إلى أفعال، بل كات مصرّة أن يكون شغلها الشاغل، على الرغم من تحذيرات النقابات وغرف الزراعة وأساتذة الاقتصاد، رفع مستلزمات الإنتاج وشراء محاصيل الفلاحين بأبخس الأثمان وكأنّها مصرّة على دفعهم بقوة إلى هجر الزراعة نهائياً مقابل دعم قلة من المستوردين النافذين!!