داعمو الأندية.. نعمة أم نقمة على الرياضة؟
ناصر النجار
مرة أخرى تعود مشكلة نادي الفتوة إلى المربع الأول، ليفقد النادي آخر إدارة كان من الممكن أن تسير به ولو على قدم عرجاء في الموسم المقبل حتى يتم حل مشكلته بالكامل.
ومن الطبيعي أن الدوري الكروي حسب الحسابات البسيطة بات يكلف أكثر من ستة مليارات ليرة سورية في حال كانت العقود بسيطة وضمن المعقول وضمن تسعيرة لجنة الاحتراف المركزية، على ألا يتجاوز عقد أهم لاعب مئتي مليون ليرة، لكن مثل هذا المبلغ، وأقله بكثير، لم يستطع نادي الفتوة تأمينه، فواجه العثرات ورفض اللاعبون التوقيع دون وجود مال،ومتطلبات النادي أكبر، ففضلاً عن العقود لديه مصاريف كثيرة منها التنقلات والإقامة والاطعام وأجور المباريات والمستلزمات والتجهيزات وغير ذلك.
من هنا نجد أن النادي الذي يشارك في الدوري الممتاز بحاجة لأموال كثيرة ومتطلبات فنية ولوجستية عديدة، وهذا ما افتقده نادي الفتوة هذا الموسم بالكامل، فوجد نفسه معلقاً بالهواء المطلق لا مقر ولا ملعب ولا استثمار ولا مال ولا لاعبين، واليوم صار بلا داعم يرعى شؤونه.
ما يحدث مع نادي الفتوة كان ضمن التوقعات، وقد أشرنا إليه سابقاً أكثر من مرة، ولم يعد الحديث مفيداً فيه الآن، والسبب في ذلك أن أبناء النادي تخلوا عنه دفعة واحدة، سواء من كانوا بصفة داعمين أو محبين أو غيرهم من المعنيين والغيورين، وعلينا اليوم أن ننسى نادي الفتوة كلياً حتى يجد القائمون على رياضة دير الزور الحلول المجدية لإنقاذ النادي مما هو فيه.
المشكلة التي تتعرض لها أنديتنا نابعة من سوء الإدارة، وهي بالمقام الأول متعلقة بالداعمين الذين أضروا بالرياضة أكثر مما أفادوها، ولنا في داعمي نادي الفتوة خير مثال، حيث استفادوا من النادي شخصياً أكثر من الأموال التي دفعوها ولدينا الأدلة القاطعة على كلامنا هذا، ثم تركوا النادي يغرق بعد أن دمروه نهائياً.
والمقولة التي تنطبق على نادي الفتوة تقول “جنت على نفسها براقش”، فالإدارة التي تواجدت في النادي في السنوات الثلاث الماضية لم تحسب حساب هذه الأيام، فلم تبن كرة القدم ولم تتبن أولاد النادي، ولم ترع الصغار من المواهب والخامات، ولم تسع نحو الاستثمار، ولم تبن مقراً أو ملعباً، وكأنها كانت تسعى لمصلحة شخصية حققتها ثم تركت النادي في مهب الريح.
والمشكلة لم تعد تقتصر على نادي الفتوة وحده، بل إن هناك أندية أخرى تسير على الطريق ذاته وسنشهد تبعة سوء قرارتهم في المستقبل القريب.
الداعمون اليوم في بقية الأندية يسيرون على الخطا نفسها التي سار عليها داعمو نادي الفتوة، وهدفهم الوحيد هو بطولة الدوري بغض النظر عن أي شيء آخر، لذلك سنرى الصرف على لاعبي كرة القدم بجنون دون التفكير بمستقبل النادي الذي يحبون، ونراهم يتهافتون على لاعبين انتهت صلاحيتهم الكروية ويرمون المواهب والخامات الواعدة خلف ظهورهم، لدرجة أن أغلب أنديتنا يتكدس فيها لاعبون تجاوزوا الثلاثين من العمر سنوات عديدة، وبالوقت نفسه تخلت عن المواهب بشكل مزعج، ولا يدرك هؤلاء أن المواهب والخامات هي أساس كرة القدم بالنادي ومستقبله ويجب العناية بهم وصقلهم والصبر عليهم.
ومن هذا التهافت، نجد بعض الأندية ما زالت تتعاقد مع لاعبين من خارج النادي، وقد تجاوزت هذه التعاقدات عشرة لاعبين، وهم يظنون أنهم قادرون على تغيير مقررات اللجنة الأولمبية بخصوص عدم تجاوز العدد المسموح به في التعاقدات، لكن عند الجد سنجد أن هذه الأندية ستضطر للتخلي عن الكثير من اللاعبين، وسنجد أن هناك أكثر من عشرين لاعباً بلا ناد، ومن هنا ستنشأ مشاكل كبيرة وكثيرة لا حصر لها.
وما يحصل الآن سببه عدم تعريف مهام الداعم: الداعم هو من يدعم النادي ببعض المال محبة بالنادي، وآلية الدعم يجب أن تسلك الطرق القانونية، فالداعم عليه أن يضع الهبة في البنك تحت تصرف الإدارة التي هي المسؤولة والمخولة عن التعاقدات وعن الصرف، وما يحدث فعلياً، هو أن الداعم صار مالك النادي ويتصرف بكل شيء على هواه، دون أن يكون له مرجعية، والمصيبة الأكبر إن كان هذا الداعم لا يملك الخبرة الرياضية وليس لديه أي خبرة في الإدارة الرياضية.
ونحن نتساءل: كيف لإدارات الأندية أو بعضها أن تقعد في الزاوية وهي ترى الداعم يصول ويجول بحرية دون أن يكون لها أي رأي بما يحدث، والغريب الذي نلاحظه ويعرفه الجميع أن التواصل مع اللاعبين يتم من خلال الداعم الذي يفاوض ويوقع وكأن النادي واللاعب ملك له، وعلينا هنا أن نتساءل: لو أن الداعم غادر النادي منتصف الموسم لأي سبب كان ولم يدفع للاعبين إلا الدفعة الأولى وبعض الرواتب الشهرية، فهل يستطيع النادي متابعة المهمة المالية وتسديد ذمم اللاعبين أم إننا ستعيش كل موسم مسألة حرد اللاعبين وتبويس الشوارب كي يستمروا ويصبروا حتى تأتي الحلول من هنا ومن هناك؟
لا شيء يدفع الداعم لتقديم الدعم، ولا شيء يجبر الداعم على مواصلة الدفع، وهنا المشكلة بوجود هذه الثغرة القانونية ومن المفترض تفاديها بتعهد موثق، فعندما يقوم الداعم بتوقيع العقود عليه أن يوقع على ضمانات للإيفاء بقيمة العقود حتى لا يحرج النادي في وقت عسير وعصيب، وحتى لا يتحمل النادي المبالغ التي فرضها الداعم في العقود، فالنادي أولاً وأخيراً هو ضمانة اللاعب، والشكاوى التي وصلت إلى اتحاد كرة القدم وإلى الفيفا سابقاً كانت بسبب الداعمين الذين تبرعوا في البداية وتشجعوا ، ثم انسحبوا في منتصف الطريق، والخشية أن تتكرر هذه الحالات في الموسم الجديد فتغرق الأندية بفعل غيرها!
القول الفصل في هذه المسائل أن تتحرك الأندية بالاتجاه الصحيحة وأن تعود السيطرة لأهل الرياضة، والنادي الذي لا يملك المال، عليه الاعتماد على قواعده من أبناء النادي، فلن يضر أي نادٍ مشاركته بفريقه الأولمبي مع بعض الشباب الواعدين في الدوري حتى تنضج المواهب وتصقل، ولا بد من الاعتماد على موارد النادي الحقيقية واستثماراته والبحث عن موارد جديدة تضخ المزيد من الأموال والدعم إلى النادي، النادي عندما يعمل على قواعد ثابتة وراسخة لن يضره شيء وخصوصاً إذا كان يعمل على بناء كرته على الوجه الصحيح.
ربما هناك فكرة جديدة وهي غير مطروحة في الوقت الحالي، والفكرة قد تكون قريبة من التشاركية بين الداعمين والأندية على مبدأ القطاع المشترك، وهذه بحاجة إلى سن قوانين وتشريعات بحيث تكون الشركات الداعمة أو الداعمون أو المستثمرون شركاء في كل شيء في النادي من خلال الأسهم وما شابه ذلك، حسب الصيغة التي يمكن أن يقررها أهل القانون، ومن المؤكد أن هذه الفكرة غير مطروحة، ونحن هنا نجد أن الداعم بعيد عن قانونية وجوده بالنادي يتصرف كيفما شاء بالنادي دون ضوابط تحد من تحركاته وسطوته وقراراته.