“الجزار والأحمق”!
أحمد حسن
كعادة أسلافه، حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن ارتداء قناع إنساني حيال بعض نتائج العدوان الإسرائيلي الفاجر على فلسطين، حين جمع في تصريح واحد بين “انفطار قلبه” على موت أحد أسرى “طوفان الأقصى” من الجنسية الأمريكية، خاصة وأنه عمل – كما قال – “بلا كلل” لضمان عودته سالماً معافى إلى بلاده، وبين تأكيده على أنه سيواصل “العمل على مدار الساعة للتوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الرهائن المتبقين”!
لكنه، وكعادة أسلافه أيضاً، لم يكشف في “يتيمة الدهر”، هذه، سوى عن نصف الوقائع والحقائق، فقط، ليثبت أن هذا القناع مجرّد إرثٍ كاذب ومخادع يبدو أنه يتوارثه عن أسلافه بالحكم ليس كابراً عن كابر، كما تقول الصيغة العربية، بل مجرماً عن آخر، كما تقول الحقائق الساطعة، فإذا كان “انفطار القلب” شعور إنساني مرهف لا يملك أحداً، بالمطلق، أن يمنعه عن بايدن أو سواه، لكن أسئلة عدّة ما فتأت تتجدّد في كل مرة تظهر فيها “إنسانية” رئيس أمريكي ما، وفي حالتنا هذه فإن أبرزها هو عن السبل التي اتبعها هذا الرئيس، طوال مدة العدوان، لاستعادة هذا الأسير وسواه من الأسرى؟؟ وعن السر الكامن خلف امتناعه عن الضغط الفعلي والفعال على نتنياهو الذي يعرقل صفقة التبادل لأسباب باتت معروفة للجميع؟، وقبل ذلك عمن قتل هذا الشخص هو وباقي الأسرى؟؟ والأهم لما لم يسعَ هذا الرئيس الإنساني، طوال ولايته، إلى حلّ جذري للأسباب الأساسية التي أدت إلى هذا الأسر وستؤدي إلى ما يشبهه لاحقاً مهما طال الزمن أم قصر؟
وبالتأكيد، فإن أحداً – باستثناء آلة القتل الأمريكية الإسرائيلية – لا يجادل في أن هذا الشخص، وسواه من الأسرى، قُتلوا نتيجة القصف الإسرائيلي الذي يستهدف قطاع غزة بلا توقف وبلا رحمة، ويستخدم أشدّ الأسلحة فتكاً وتسبباً بالدمار، وإن أحداً – باستثناء آلة القتل ذاتها ومن يواليها – لا يجادل أيضاً بأن الرجل وقع، كسواه أيضاً، ضحية العقلية الإبادية الغربية، وابنتها الصهيونية التي بدأت قبل حرب العام 1948 بسنوات طويلة، تنفيذاً لفكرة “النهب المستدام” الاستعمارية، وما نشهده اليوم هو أحد جولاتها الدموية التي كانت نتيجتها حتى الآن قرابة 135 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، لم “يفطر” واحداً منهم “قلب إنسانيّ” البيت الأبيض – فبحسب آرون ديفيد ميلر لا يملك الرجل نفس التعاطف مع الفلسطينيين كما يفعل مع الإسرائيليين- الذي يعرف العالم بأسره أن دعمه العلني، المادي والمعنوي، هو فقط ما يسمح لـ “إسرائيل، ومجرمها الحالي نتنياهو، بالاستمرار في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني على امتداد أرضه التاريخية مستهينة حتى بقرار مجلس الأمن الدولي وأوامر محكمة العدل الدولية “باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة”.
خلاصة القول.. نعرف جيداً أن التاريخ لا يقوم على أفراد لكنه يتأثر بخطواتهم وأفعالهم، لذلك فإن جنون نتنياهو وشراسة عدوانه على الفلسطينيين بهدف إبادتهم كلياً ووأد فكرة الدولة الفلسطينية ذاتها هو في جوهره تعبير عن حال ومأزق “إسرائيل” اليوم، وخطوات “بايدن” هي أيضاً تعبير عن مأزق، وجنون، واشنطن في هذه المرحلة ليس في المنطقة فقط، بل في العالم أيضاً، وبالتالي فإن نهاية العدوان الحالي على فلسطين -وهي بحسب القراءات الغربية الجادة لا تشير إلى وجود أي طريق واضح “للنصر” الذي يرنو إليه نتنياهو- لن تؤدي فقط إلى نهاية هذا الأخير الشخصية والسياسية معاً، بل أيضاً إلى اكتفاء بايدن بصورة “الجزار والأحمق” كما وصفه بها أحد الكتاب الأمريكيين مؤخراً بدل صورة الرئيس الإنساني التي طالما حلم بها.