دراساتصحيفة البعث

عصر روسيا والصين الجديد

عناية ناصر

شهد العالم تحولاً كبيراً في القوة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث حلّت الولايات المتحدة محلّ الإمبراطورية البريطانية، التي كانت تمثل تجسيداً للهيمنة العالمية في ذلك الوقت، وذلك بسبب صعودها الاقتصادي والعلمي. وقد تعزّز هذا التحول بتفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، الذي كان إيذاناً بنهاية الحرب الباردة. وأصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى غير المتنازع عليها في العالم. وتُعرف هذه الحقبة من النظام العالمي الأحادي الجانب الذي فرضته الولايات المتحدة بالنظام العالمي الجديد. ومع ذلك، لم تستمر هذه الحقبة أكثر من عقدين من الزمان، فالعمالقة الآسيويون، وخاصة روسيا والصين، كانوا يوسعون نفوذهم العالمي بسرعة، وأصبح العالم متعدّد الأقطاب بسبب الصعود السريع للدول الآسيوية.

انهيار الاتحاد السوفييتي وتأثيره العالمي

كان تفكك الاتحاد السوفييتي في نهاية الحرب الباردة بمثابة لحظة حاسمة في السياسة العالمية، كانت هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان السبب الرئيسي وراء انهياره، حيث تسبّب ذلك في أزمات مالية كبيرة وتدهور اقتصادي. لسوء الحظ، تعاونت دولة إقليمية، باكستان، مع الولايات المتحدة لتعبئة ما يُسمّى “المجاهدين” من مختلف البلدان الإقليمية والقوات الأفغانية، وتصوير هذا الصراع على أنه قضية مقدسة. تمّ استخدام المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية لتوفير التدريب لهؤلاء “المجاهدين” ضد الاتحاد السوفييتي، وأصبح صراع الحرب الباردة هذا السبب لانهيار الاتحاد السوفييتي، ونتيجة لذلك ظهرت العديد من الدول المستقلة على مستوى العالم مع تشكيل الاتحاد الروسي.

نهضة روسيا ونفوذها العالمي

منذ عام 1922، كان الاتحاد السوفييتي قوة عظمى مهمّة في العالم تضمّ 15 جمهورية وأكثر من 290 مليون مواطن، وأكثر من 100 جنسية مختلفة، وهذا جعلها أكبر دولة في العالم، كما كان قوة نووية هائلة في ذلك الوقت. ومع ذلك، عانت الأمة خلال حقبة الحرب الباردة، من عدم الاستقرار السياسي الناجم عن الحرب المطولة، والتضخم، والأزمات الاقتصادية في البلاد. كانت البطالة والسياسات الاقتصادية والتضخم من بين القضايا الرئيسية التي واجهت الاتحاد السوفييتي في تلك الحقبة، واستغلت الولايات المتحدة هذا الوضع لدعم الاحتجاجات وأعمال الشغب في الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي أضرّ بسيادته.

حكم بوريس يلتسين روسيا من عام 1991 إلى عام 1999، وخلفه فلاديمير بوتين، الذي استعادت روسيا تحت قيادته، مكانتها كقوة عظمى عالمية مرة أخرى. وبفضل خبرته الدبلوماسية وفطنته الإستراتيجية، أقامت روسيا علاقات مع الدول الإقليمية والمجاورة، ودول إفريقية مختلفة، كما اكتسب حلفاء مهمين في العالم النامي.

تعتبر الحرب بين روسيا وأوكرانيا أحد الانتصارات الكبرى لروسيا في العصر الحديث، حيث لم تتمكّن أوكرانيا من الفوز في الصراع، على الرغم من المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة من الولايات المتحدة ودول أوروبية مختلفة. وقد أدى هذا الصراع وفشل الولايات المتحدة في تأمين حليفتها أوكرانيا إلى زيادة نفوذ روسيا وتفوقها العسكري في العالم. كما تتوسّع العلاقات الصينية الروسية تحت قيادة الرئيس بوتين، إذ لدى كلا البلدين العديد من الأهداف والسياسات المتطابقة بشأن قضايا جيوسياسية مختلفة، وتلتزم روسيا والصين بإنشاء كتلة إقليمية، حيث تخدم مجموعة البريكس غرضها المتمثل في إنشاء هذه الكتلة وتوسيع نفوذها خارج المنطقة الآسيوية.

صعود “البريكس”

توفر مجموعة البريكس الفرصة لجميع البلدان النامية لمتابعة سياساتها الجيوسياسية والجيوستراتيجية بحرية، حيث أسّست روسيا والصين والهند والبرازيل المجموعة في عام 2006، وانضمّت جنوب إفريقيا إليها في عام 2010. ومؤخراً، قرّر الأعضاء المؤسّسون توسيع منظمة البريكس لتنضمّ إليها الإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا وإيران، كما أبدت 40 دولة أخرى اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، ما أدى إلى تسريع تراجع هيمنة الولايات المتحدة على مستوى العالم.

لقد أعربت روسيا عن رغبتها في إقامة علاقات وديّة مع جميع الدول الإقليمية، حيث شكلت علاقات ودية مع باكستان على الرغم من الذكريات التاريخية المريرة، إضافة إلى أن روسيا والهند يعتبران حليفين تاريخيين، وقد تجلّى ذلك مؤخراً من خلال تكريم بوتين لرئيس الوزراء الهندي مودي خلال زيارة الأخير لروسيا، كما تعمل إدارة بوتين أيضاً على إقامة علاقات أوثق مع أفغانستان وإيران.

إن الكتلة الإقليمية المحتملة يمكن أن تشمل كلّ هذه الدول إلى جانب دول الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن القيود المالية واعتماد الدول النامية المختلفة على المؤسسات الغربية تشكل الحواجز الأساسية أمام تحقيق هذا الهدف، ورغم الصعوبات هناك إرادة قوية لدى الشعب الباكستاني والإدارة الباكستانية للانضمام إلى مجموعة البريكس، وكسر قيود النفوذ الغربي على سياساتها.