تطور الصين لا يشكل تهديداً
عائدة أسعد
إن التبادلات اللفظية بين الصين والغرب تزداد حدّة في نطاق متزايد الاتساع من القضايا، فمن الصراعات الإقليمية في أوكرانيا والشرق الأوسط إلى النقاط الساخنة الجيوسياسية مثل بحر الصين الجنوبي، إذ يبدو أن هناك عدداً أقلّ من النقاط التي تتوافق فيها وجهات نظرهما.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو احتمالية أن تتحول مشاعرهما السيئة المتبادلة إلى نبوءات تحقق ذاتها، وهي احتمالات أقلّ تداولاً ولكنها سريعة النمو، وقد تكون النتيجة النهائية حرباً باردة جديدة كاملة الأركان، والتي تعهد الطرفان حتى الآن بتجنّبها، رغم أن هناك الكثير من الدلائل على أن العلاقات تسير على مسار خطير، مع أحدث الاتفاقيات بشأن الصين بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي ترسم صورة قاتمة عامة للعلاقات المستقبلية بين الصين والغرب، ولكن في غياب تغييرات جوهرية في تصوّر الغرب الأساسي للصين، يبدو أن الأمل في أي تغيير في المسار ضئيل للغاية.
وبالتالي، فإن التحدي الأبرز بالنسبة لصنّاع السياسات الخارجية في بكين هو كيفية توصيل رسالتهم إلى جمهور غربي متشكك على نحو متزايد بأن تحديث الصين لا يشكل تهديداً. أما بالنسبة لأولئك في واشنطن ولندن وبروكسل، فإن التحدي هو كيفية عدم تدمير العلاقات التي يمكن إصلاحها من خلال نفي سوء فهم النوايا الصينية، ولكن الواقع أن النمط الحالي من الردود اللفظية المتبادلة لا يفضي إلى أي من هذين الهدفين.
كان من الجيد الاستماع إلى نائب وزير الخارجية الأميركي كيرت كامبل، والأمين العام للخدمة الخارجية الأوروبية ستيفانو سانينو اللذين أكدا في الحوار الأميركي الأوروبي بشأن الصين، والاجتماع السادس للمشاورات الرفيعة المستوى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ والذي عقد في التاسع والعاشر من أيلول، أهمية الحفاظ على قنوات الاتصال المفتوحة مع الصين، فمن المهمّ بالقدر نفسه أن تكون مثل هذه الاتصالات خالية من التحيّز والنمطية.
إن المخاوف التي عبّر عنها كامبل وسانينو في بيانهما المشترك بشأن “المخالفات” الصينية المزعومة، من دعم القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية إلى الأعمال الخطيرة والمزعزعة للاستقرار في بحر الصين الجنوبي، والبيان المضاد الحاد من السفارة الصينية في المملكة المتحدة، لا تخدم إلا لتسليط الضوء على مدى كون شكاوى الغرب بشأن الصين بمثابة تدوين لشرور سطحية بدلاً من شكاوى ذات سبب حقيقي.
وفي حين انتقد البيان الأمريكي البريطاني بكين بسبب مزاعمها بانتهاك النظام الدولي القائم على القواعد، وتهديد السلام والاستقرار الإقليمي، فإن المتحدث باسم السفارة الصينية انتقدهم بسبب تدخلهم في الشؤون الداخلية للصين وتحريف الحقائق قائلاً: “إن قضية تايوان مسألة داخلية بحتة والتهديد الأعظم للسلام والاستقرار في مضيق تايوان يأتي من الحركات الانفصالية التي تدعو إلى استقلال تايوان وتدخل القوى الخارجية”.
وكما كرّرت بكين في مناسبات عديدة، فإن الصين تتمتّع بسيادة إقليمية، وحقوق بحرية لا جدال فيها في بحر الصين الجنوبي، ودورياتها الروتينية وأنشطة إنفاذ القانون داخل هذه المياه تتفق مع القانون الدولي.
أما ما يتعلّق بالصراع في أوكرانيا، فإن الصين تتبنى موقفاً موضوعياً وعادلاً، والمزاعم الأمريكية بأن الصين تدعم صناعة الدفاع الروسية هي مجرد تضليل، وإذا كانوا يريدون حقاً حماية السلام والاستقرار العالميين، فيجب على الولايات المتحدة وحلفائها التخلّص من عقلية الحرب الباردة الصفرية، والنظر إلى تنمية الصين بموضوعية.
لا ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها أن يتكهنوا بشأن الصين بناءً على خياراتهم التاريخية الخاصة، ولا ينبغي لهم أن يروّجوا للكذبة القائلة بأن الصين تسعى إلى الإطاحة بالولايات المتحدة كقوة مهيمنة، فقد أوضحت بكين بشكل لا لبس فيه أنها تأمل في العمل مع جميع البلدان بما في ذلك الولايات المتحدة لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك.
إن استشهاد الصين والولايات المتحدة بالقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة يُظهِر المكان الذي يمكنهما فيه إيجاد موطئ قدم ثابت للدخول في مشاركة أكثر جدوى، كما أن التحدث بصراحة وصدق للمشاركة والتعلم والاستجابة أمر لا يتجزأ إذا كان للجانبين أن يشكلا روابط ذات مغزى يمكنها الصمود في وجه تقلبات القدر غير المتوقعة.
يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تعديل عقليتهم، والتعامل مع الصين كشريك في معالجة التحديات العالمية وليس كخصم.