هل يفتح العدوان الإرهابي على لبنان جبهة جديدة في الحرب الأميركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط؟
سمر سامي السمارة
مع كل خطوة شيطانية جديدة، تثبت أجهزة الأمن والجيش الإسرائيلية أنها ماضية بعدوانها المستمر منذ أحد عشر شهراً، وتؤكد أن مفاهيم مثل وقف إطلاق النار والسلام ما هي إلا هراء وثرثرة تسبق المزيد من المجازر؛ فقد أظهر استخدام القتل المتواصل أن “إسرائيل” لا ترغب بالتوصل إلى إي اتفاق مع الفلسطينيين الذين يدافعون عن حقهم.
في السياق، تعتبر التفجيرات الإرهابية الجماعية التي شنتها “إسرائيل” ضد الشعب اللبناني يومي الثلاثاء والأربعاء وأسفرت عن استشهاد العشرات، وإصابة المئات، جريمة حرب شنعاء وانتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي حيال الاغتيالات والقصف العشوائي، وفي بيان لها، أكدت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، لما الفقيه، إن استخدام الفخاخ المتفجرة والأجهزة الأخرى – التي يمكن أن ينجذب إليها المدنيون أو المرتبطة بالاستخدام المدني اليومي العادي – محظور بموجب القانون الإنساني الدولي ودعت لإجراء تحقيق فوري ومحايد في الانفجارات التي وقعت في لبنان.
ومن الناحية الإنسانية، أظهرت العملية مرة أخرى التوحش والفظاعة التي ينطوي عليها مثل هذا العدوان. فقد أصيب المارة في الأسواق بتشوهات، كما أصيب الأطباء وغيرهم من العاملين في المجال الطبي، وأصبح نظام المستشفيات في لبنان مثقلاً بالمصابين.
في الواقع، بات واضحاً أن حكومة وقوات الاحتلال تمكنتا من ارتكاب هذه الجرائم من خلال الدعم المالي والعسكري والسياسي اللامحدود للولايات المتحدة وغيرها من القوى الإمبريالية، كجزء من مساعيها لإخضاع الشرق الأوسط والهيمنة عليه، ففي المؤتمر الصحفي للبيت الأبيض يوم الأربعاء الماضي، تفاخر مسؤولو الحزب الديمقراطي علانية بهذه المجزرة الجماعية.
فكتب السناتور الديمقراطي جون فيترمان على منصة X، بعد مشاركة لقطة شاشة من تقرير إخباري عن الهجوم: “أنا أؤيد تماماً الجهود المبذولة لاستهداف وتحييد أي تهديد وجودي مثل حزب الله”، حسب تعبيره.
من المؤكد أن العدوان الذي شنته “إسرائيل” على لبنان يهدف إلى تصعيد عدوانها على البلاد بشكل كبير، على الرغم من استشهاد المئات من المدنيين منذ تشرين الأول الماضي، فقبل ساعات فقط من بدء القصف، اجتمع ما يسمى مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي ليعلن أنه “حدّث أهداف الحرب” لتشمل إعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى الشمال، وهو تعبير ملطف لتصعيد الحرب ضد لبنان.
ويوم الأربعاء، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أن الفرقة 98، والتي تضم قوات كوماندوز ومظليين، يتم نقلها من غزة إلى الشمال، مضيفاً أن “مركز الثقل” يتحرك شمالاً، وهذا يعني أننا نخصص القوات والموارد والطاقة للساحة الشمالية”.
من المؤكد أن نقل قوات الاحتلال الإسرائيلية شمالا لا يعني أي تخفيف لمعاناة سكان غزة المحاصرين بالكامل، والذين يتعرضون للتجويع بشكل منهجي ويحرمون من الوصول إلى المياه والكهرباء والرعاية الطبية، فمنذ شهر تشرين الأول، لقي أكثر من 40 ألف فلسطيني حتفهم جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة وذلك بحسب الاحصاءات الرسمية، بينما أشارت دراسة نُشرت في مجلة لانسيت الطبية إلى أن عدد الشهداء الحقيقي قد تجاوز 186 ألفاً.
جدير بالذكر، أن العدوان الإسرائيلي على لبنان هو الأحدث في سلسلة من الاستفزازات التي تقوم بها الكيان الصهيوني، بدعم من الولايات المتحدة، حيث يرى مراقبون أن الهدف وراء إثارة الحرب ليس فقط ضد لبنان ولكن أيضاً ضد المنطقة.
تمثل الهجمات الإرهابية الإسرائيلية في جميع أنحاء لبنان مرحلة جديدة في تجريم السياسة الخارجية الإمبريالية وتضع سابقة لشرعنة الهجمات الإرهابية على كل من القادة السياسيين والسكان المدنيين على نطاق أوسع، فمع انفجار آلاف القنابل في جميع أنحاء البلاد، استشهد العديد من المارة المدنين، بما في ذلك طفلان، في الانفجارات.
يرى مراقبون أن هذه الهجمات الإرهابية تشكل سابقة، حيث يتم بموجبها توسيع تعريف الحرب، والنتيجة هي إضفاء الشرعية على الأجهزة المحظورة مثل تفخيخ الأدوات التي تستخدم بشكل يومي بهدف اغتيال المدنيين والتسبب في القتل العشوائي الجماعي والتشويه.
في تشرين الثاني 2000، أصبحت الحكومة الإسرائيلية أول حكومة في العالم “تعترف علناً بأنها تدير سياسة القتل المستهدف، بحسب ما كتب المقرر الخاص المعني بمسألة للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية البروفسور نيلس ميلزر، في عام 2009. وبعد فترة وجيزة، تحركت الولايات المتحدة “لتبني أسلوب القتل المستهدف علناً”.
وتماماً كما كانت الحال مع تبني “القتل المستهدف”، فإن جرائم الحرب التي ترتكبها “إسرائيل” الآن ستصبح الأساس الجديد لجرائم أكبر من جانب الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية الأخرى.
ومع ذلك، أدان اليساريون الهجوم الإرهابي الإسرائيلي بشكل منافق، فكتبت النائبة الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز: “هذا الهجوم ينتهك بوضوح وبشكل لا لبس فيه القانون الإنساني الدولي ويقوض الجهود الأمريكية لمنع صراع أوسع نطاقاً “.
في حقيقة الأمر، الهجوم الإسرائيلي على لبنان لا يتعارض مع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، كما زعمت أوساكا كورتيز، بل إنه مستمر بدعم كامل من إدارة بايدن-هاريس.
بحسب مراقبين، فإن الإمبريالية الأميركية توسع حربها في جميع أنحاء الشرق الأوسط كجزء من هجوم عسكري عالمي يستهدف روسيا والصين، ففي نفس اللحظة التي كانت فيها آلاف المتفجرات تنفجر في جميع أنحاء لبنان، كانت الولايات المتحدة تضع اللمسات الأخيرة على الخطط، التي من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في وقت لاحق من هذا الشهر، للسماح لأوكرانيا بتنفيذ ضربات غير محدودة على روسيا باستخدام أسلحة الناتو، ما يهدد بالتصعيد إلى حرب نووية عالمية.
إن الهجوم الإرهابي الأميركي الإسرائيلي على لبنان هو بمثابة تحذير بأن الولايات المتحدة، التي تخوض حروباً في مختلف أنحاء العالم للدفاع عن هيمنتها العالمية، على استعداد لاستخدام أساليب القتل الجماعي والإرهاب لتحقيق أهدافها.