هل ينجح مشروع الحرب الشاملة؟
أحمد حسن
للجنرال والمؤرخ البروسي، كارل فون كلاوزفيتز، مقولة شهيرة مفادها “إن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى”، أي أن الهدف منها، ومن وسائلها الصلبة والقاسية، جعل العدو ينفّذ ما تريده السياسة، وتلك مقولة أثبت التاريخ صحتها، فهو يحفل بساسة وقادة قرّروا – سواء كان قرارهم محقاً أم خاطئاً – الحرب وخاضوها كي يحققوا ما عجزت عنه الدبلوماسية، لكن التاريخ ذاته يحفل أيضاً بأشخاص من نوع آخر.. أشخاص لم تكن الحرب بالنسبة لهم إلا طريقة حياة أصليّة ومعتادة، ومن المؤكد أن مجرم الحرب الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أبرز من يعبّر عن هذا النوع في عصرنا الراهن.
وبالتأكيد، فإن أحداً في الشرق أو في الغرب، كارهاً لنتنياهو أو محبّاً له، لا يستطيع أن ينكر – إلّا إذا كان متحدثاً باسم البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية – كمّ الأدلة التي تتراكم يوماً إثر آخر، مبرهنة على أن الحرب هي أسلوب الحياة المعتاد لهذا القاتل، لكن الحق يقال، إن ذلك لا ينطلق من دواعٍ شخصيّة فقط، فهناك أيضاً دواع ومحفّزات عامة ناشئة عن الطبيعة الأصلية لمشروع الكيان الصهيوني الذي أثبت، ومنذ نشأته المشؤومة، أن الحرب، وبأفظع أشكالها وأكثرها خساسة، هي أسلوب حياة عادي لا يمكن له “العيش” والبقاء بدونه.
بهذا المعنى، لا تبدو محاولات نتنياهو المجنونة لجرّ المنطقة، وربما العالم خلفها، إلى الحرب الشاملة، أمراً غريباً لأسباب معروفة للقاصي والداني، وإن كانت اليوم تصبح أكثر وضوحاً وتأثيراً لأنها تجمع، علناً، ما بين الشخصي، أي خشية نتنياهو من المصير الذي ينتظره قضائياً وسياسياً، وبين العام، أي الشعور الجمعي لقادة ومستوطني ورعاة الكيان الغاصب، أن مصير مشروعهم قد أصبح مهدّداً، ولأول مرة بهذا الوضوح والجديّة، سواءً في ساحة الصراع الرئيسية، أم في ما هو أبعد منها جغرافياً وسياسياً.
وبهذا المعنى أيضاً، جاءت مجزرة “البيجر واللاسلكي” غير المسبوقة كأسلوب من أساليب الحرب “المسموح بها” له ولكيانه من قبل رعاته الغربيين –بغض النظر عن أنه أمر كان يجب أن يكون متوقعاً من فريق المقاومة وتلك قصة أخرى – فالتكنولوجيا، كما كل الوسائل الأخرى، لم تكن يوماً إلّا أداة لترسيخ الهيمنة الاقتصادية والسياسية، وذلك ما يفسّر موافقة الحلفاء الضمنية عليها، حتى ولو أنها تبدو، للوهلة الأولى، قد ألحقت أضراراً مستقبلية باقتصادهم، إلّا أنهم سارعوا، كما عادتهم دائماً، لاستثمارها واستغلالها في تسويق أجيال، وأنواع، أكثر أماناً. تركيا واضح مثال على ذلك.
خلاصة القول.. نتنياهو يطلب الحرب الشاملة، ويسعى إليها، ويستجرّ عروضها، إنقاذاً لشخصه وكيانه، معاً، من مصيرهما المحتوم، لكنه يتقدّم برجل ويتراجع بأخرى، والسبب ليس أخلاقياً البتّة، بل إنه يرتبط بعاملين: الأول هو مجريات الميدان التي لا تسعفه كثيراً في هدفه هذا، وذلك ما أوضحه، بالنار، ردّ المقاومة السريع والنوعي على مجازره الأخيرة في لبنان، الأمر الذي جعله يتراجع خطوة للخلف، مبرّراً بقوله “إننا نفضّل عدم الذهاب إلى حرب شاملة في التصعيد مع المقاومة اللبنانية ولكن يجب إبعاده”، والثاني نداء واقعي من بعض العقلاء، في ثنايا “الدولة العميقة” الراعية في واشنطن – وهم قلّة على أي حال – الذين بدأوا يستشعرون جدّياً أن الكيان لن يخسر الحرب الشاملة فقط، بل إن بعض “استثماراتهم السياسية” في حلفائهم في المنطقة، أشخاصاً ومواقع، ستكون من أول ضحاياها، وبين وقائع الميدان وواقعية “النداء” السابق، يندلع سباق محموم مع نتنياهو ومشروع الحرب المجنونة، وسيحدد اسم من يكسبه صورة المنطقة، وخلفها العالم، لفترة قادمة.