تراجع صادم.. باستثناء المناخ ما أسباب انخفاض إنتاج الزيتون؟
علي عبود
لم تكترث الحكومة منذ عام 2021 بتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، وكان لديها دائماً الأسباب الجاهزة لتبرير انخفاض كلّ محصول، ولم تشر ولا مرة واحدة إلى مسؤوليتها المباشرة عن تدهور القطاع الزراعي بفعل قراراتها التي رفعت أسعار مستلزمات الإنتاج، وخاصة الطاقة والأسمدة والأعلاف من جهة، وتحديد أسعار شراء المحاصيل الإستراتيجية بأثمانٍ أقل من مثيلاتها قبل عام 2011 من جهة أخرى.
ومن الملفت أن يكون المناخ الحاضر الدائم لتلقي عليه الجهات الحكومية المسؤولية بتراجع الإنتاج، كما حصل مؤخراً بالنسبة لمحصول الزيتون، الذي وصفه المنتجون بأنه غير مبشّر!.
أين نجحت الحكومة؟
ما يمكن الجزم فيه أن الحكومة نجحت بامتياز بفعل رفعها الدعم عن الزراعة بجعل منتجاتها عصيّة المنال على ملايين العاملين بأجر، ولم تُقصّر بالتضييق بقراراتها على تصدير الفائض بما يحقق للمزارع عائداً يشجعه على الاستمرار بالمحاصيل الإستراتيجية والأساسية بدلاً من استبدالها بمحاصيل أخرى، ما يعني إمكانية اللجوء فيما بعد إلى خيار استيرادها كما حصل مع القمح!.
السؤال الذي لم تجب عليه الحكومة: ما مسؤوليتنا بعجز ملايين العاملين بأجر منذ عام 2021 عن شراء السلع الغذائية الأساسية، سواء المنتجة محلياً أم المستوردة؟
وبما أننا سنتحدث عن محصول الزيتون، فإننا نسأل: هل من المعقول ألا يقلّ سعر عبوة ليتر الزيت عن 100 ألف ليرة، في حين لا يتجاوز الحدّ الأدنى للأجر 300 ألف ليرة؟
تراجع صادم
من الطبيعي أن يتراجع إنتاج الزيتون في عام المعاومة، ويرتفع في عام الإثمار، ولكن من غير الطبيعي أن تكون سمة التراجع في أعوام الإثمار دون اكتراث من الحكومة بهذا الحصول الأساسي للسوريين والذي بدأ يغيب تدريجياً عن موائدهم!.
لقد قدّر مكتب الزيتون في وزارة الزراعة بتاريخ 10/ 9/ 2024 أن إنتاج الزيتون في سورية خلال موسم 2024 – 2025 بنحو 740280 طناً بزيادة نحو 6 بالمئة عن الموسم الماضي (المعاوم)، في حين أن المقارنة يجب أن تكون مع موسم 2022 المثمر، حيث بلغ الإنتاج 820 ألف طن!
نعم، لا يمكن وصف ما حصل من تراجع بمحصول الزيتون في الأعوام الأخيرة سوى بـ “الصادم”، بدليل تراجع الإنتاج، في طرطوس مثلاً، من 250 ألف طن في عام الإثمار 2022، إلى 32 ألف طن فقط في عام الإثمار 2024، يفصل بينهما إنتاج 10400 طن في عام المعاومة 2023.
وحسب مديرية زراعة طرطوس، شهد الإنتاج هبوطاً كبيراً قياساً بسنة الإثمار بسبب الظروف الجوية، حيث ارتفعت درجات الحرارة قي شهر نيسان مما أثّر على تحوّل البراعم الخضراء إلى ثمرية، لكنها لم تشر إلى العوامل الأخرى كنقص أدوية مكافحة أمراض وآفات الزيتون.
الفلاح لم يتلق الدعم!
وعلى عكس مديرية زراعة طرطوس، فإن اتحاد الفلاحين فيها توقع أن يكون إنتاج موسم 2024 – 2025 أقل من 32 ألف طن لأسباب مختلفة، فبالإضافة إلى الظروف الجوية فإن الفلاح لم يتلقَ الدعم الكافي ليتمكن من زيادة الإنتاج، فهو يحتاج إلى نوعين من الأسمدة، الآزوت والسوبر فوسفات، وقد تجاوز سعرهما المليون ليرة لا تكفي لأكثر من 50 شجرة، وبالتالي ليس لدى الفلاحين عشرات الملايين لشراء الأسمدة الكافية لبساتين الزيتون، فحتى الكميات التي وزّعها المصرف الزراعي القليلة جداً تعتبر غالية بالنسبة لغالبية الفلاحين، وقلة قادرة على شراء كميات منها من السوق السوداء!.
ومع أن وزارة الزراعة تضع الخطط السنوية للمحاصيل الأساسية التي تلحظ كميات مستلزماتها من محروقات وأسمدة وأدوية.. إلخ، إلا أنها لم تتمكن من تأمينها بالكميات الكافية وبالأوقات المناسبة في الأعوام الماضية، وبالتالي من الطبيعي أن تكون السمة الدائمة هي التراجع بإنتاج محصول الزيتون مثل المحاصيل الأخرى كالقمح والقطن والشوندر.. إلخ.
التصدير يساعد المنتجين
ولا يقتصر تراجع إنتاج الزيتون على سورية فقط، فقد تراجع أيضاً في دول أوروبية بنسبة 60% بسبب الجفاف، في حين تراجع بنسبة لا تقلّ عن 300% في سورية، وهذا يعني أن السبب ليس الظروف الجوية فقط، وإنما عوامل ذاتية تسبّبت بها القرارات الحكومية التي زادت تكلفة مستلزمات الإنتاج وخفّضت نسبة الدعم إلى مستويات تكاد تكون صفراً.
وبما أن التصدير بات المنفذ الوحيد تقريباً لمساعدة تسويق إنتاج الفلاحين من زيت الزيتون، فإن هناك تقصيراً حكومياً بالمساعدة أو بالعمل على تصديره بعبوات وليس دوغمة.
وليس صحيحاً أن تصدير زيت الزيتون سيكون على حساب المستهلك السوري، لأن ملايين الأسر السورية لم تعد قادرة على تأمين حاجتها من هذه المادة، وبالتالي فالأفضل تصدير الفائض منها إلى الأسواق الخارجية بعبوات أنيقة وجذابة وليس دوغمة بأسعار بخسة.
لقد وصل سعر زجاجة زيت الزيتون إلى 8 يورو في الأسواق الأوروبية، ولا يباع للشخص الواحد أكثر من زجاجتين، ما يعني أن إمكانية تصدير زيت الزيتون السوري الذي يتمتّع بخصائص غذايئة منافسة كبيرة جداً، لكن الأمر يحتاج إلى تأمين مستلزمات تعبئتها بزجاجات مناسبة وقرارات تشجع تصديرها، وكلّ هذا غير متوفر حتى الآن.. فلماذا؟.
أصناف مقاومة للجفاف
وبما أن وزارة الزراعة تدرك أن تطبيق الممارسات الزراعية الجيدة في حقول الزيتون تزيد الإنتاج، فهل يوجد تقصير في عمل دوائر الإرشاد الزراعي في المحافظات والوحدات الإرشادية بنقل هذه المعلومات وآلية تطبيقها إلى المزارعين بهدف الوصول إلى أعلى إنتاج وأفضل جودة؟.
وكما نعرف فإن سورية بلد جاف منذ تسعينات القرن الماضي وأمطاره قليلة ودون المعدل في أغلب السنوات، وبالتالي يفترض أن تكون وزارة الزراعة وفّرت للفلاحين أصنافاً من غراس الزيتون ذات إنتاجية عالية تتحمّل التغيّرات المناخية الصعبة حسب مناخ كل محافظة، والعمل على زيادة مساحة انتشارها، ولو فعلت ذلك خلال العقدين الماضيين لكان تراجع إنتاج الزيتون بفعل الظروف المناخية ضمن النسب المقبولة والتي لا تؤثر على دخل الفلاح وتحافظ على فائض للتصدير.
الخلاصة..
لو كان المناخ العامل الوحيد بتراجع إنتاج الزيتون في سورية التي تفتقر إلى هطولات مطرية جيدة وكافية، وتتميّز بالمناخ الجفاف باستثناء بعض السنوات النادرة، فلماذا لم يقلّ الإنتاج في الأعوام المثمرة عن 900 ألف طن، بل تجاوز 1.1 مليون طن في عام 2006، و950 ألف طن في عام 2010.
ولم يختلف الأمر في سنوات الأزمة أو الحرب الإرهابية على سورية، ففي سنوات الإثمار لم يقلّ إنتاجنا من الزيتون عن 850 ألف طن، لكنه بدأ بالتراجع بفعل قرارات حكومة (2020- 2024) التي أدّت أيضاً إلى تراجع إنتاج كل المحاصيل الزراعية، ولم يكن شغلها الشاغل سوى الاستيراد لمصلحة قلّة من المتنفذين، وتخفيض القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر!!