النمو الاقتصادي الصيني وأثره على العالم
ريا خوري
لم تعد الأزمات التي عاشتها وتعيشها الولايات المتحدة الأمريكية تنعكس بشكلٍ كبير على العالم، فقد تغيّرت المعايير العالمية، وأصبحت الصين تعيش حالةً من الاقتصاد جعلها تتفوق على الاقتصاد الأمريكي في كثير من الأمور، فقد بات تأثير الصين كبيراً على العالم بما فيها الدول الغربية، حيث أضحت قوة اقتصادية هائلة جداً وصارت ثاني أكبر اقتصاد في العالم يُعترف به، ومحركاً رئيسياً وأساسياً للنمو الاقتصادي العالمي لعشرات السنين، ومن ثم أصبح العالم يخشى أي حالة ركود اقتصادي صيني كي لا يصاب الاقتصاد العالمي بأزمات جديدة بعد توسعها السريع والهائل في الآن ذاته.
لقد تمكّنت الصين من تحقيق وجودها وقوتها الاقتصادية من خلال ما تنتجه مصانعها الضخمة من منتجات اكتسحت العالم، حتى باتت مركزاً ومحوراً أساسياً في مجال التصنيع والصادرات واستثمارات البنية الأساسية، هذا التحول الكبير والسريع جعل الصين لاعباً رئيسياً في التجارة العالمية والتمويل والصناعة المتطورة والمتفوقة. فقد شهدت الصين في النصف الأول من العام الحالي نمواً في اقتصادها وصل إلى معدل خمسة بالمائة، هذا النمو يأتي بعد أن كانت الصين تحقق قبل ذلك قفزتين من النمو الاقتصادي على الأقل.
الصين تعتبر مركزاً أساسياً ومهماً في سلسلة التوريد العالمية، وهي أكبر مصدر للبضائع والسلع في العالم وثاني أكبر مستورد، وهذا يوضح تماماً فكرة أنَّ أي تباطؤ في اقتصادها ونموه يؤثر بشكلٍ مباشر في أحجام ونسب التجارة العالمية، ويمكن أن يؤدي في الآن ذاته إلى تقليل الطلب على المواد الخام، والآلات والسلع الاستهلاكية العالمية من شركائها التجاريين الموزّعين على مساحة الكرة الأرضية.
الجدير بالذكر أنَّ العديد من الاقتصادات المتقدمة، مثل ألمانيا الاتحادية وكوريا الجنوبية، واليابان، تعتمد على الصين كقاعدة تصنيع موثوقة وقوية، وسوق كبيرة ومهمّة للمنتجات الراقية. وإنَّ أي حالة تؤدي إلى تباطؤ الناتج الصناعي الصيني أو الطلب الاستهلاكي يمكن أن يعطّل سلاسل التوريد في العالم، وهو بدوره ما يؤثر تأثيراً واضحاً في الإنتاج، ويقلّل من الصادرات لهذه البلدان. تعرف جميع دول العالم أنَّ الصين واحدة من أكبر مستهلكي السلع الأساسية العالمية، وخاصةً الطاقة من نفط وغاز ومواد كيماوية، كما تستهلك كميات ضخمة من المعادن والمنتجات الزراعية، وأي انخفاض في الطلب الصيني على هذه الموارد وتلك المواد يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الأسعار في أسواق السلع الرئيسية العالمية. على سبيل المثال لا الحصر، قد يؤدي انخفاض طلب الصين على الطاقة من نفط وغاز إلى فائض عالمي، وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض الأسعار العالمية ومؤشرات الطاقة في العالم، والتأثير في الدول المصدّرة للنفط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وفنزويلا وجمهورية روسيا الاتحادية.
كذلك يستهلك قطاع البناء والبنية الأساسية في الصين كميات كبيرة جداً من الأسمنت والنحاس والصلب، لذا فإن تباطؤ الإنفاق على البنية الرئيسية بسبب ضعف النمو الاقتصادي، حتى ولو كان نمواً بطيئاً، قد يؤدي إلى تقليص الطلب العالمي على هذه المواد الرئيسية، وهو بدوره يؤدي إلى انخفاض الأسعار، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الدول المصدّرة للسلع والطاقة والمعادن والبضائع الأساسية. إنَّ احتياطيات النقد الأجنبي الهائلة التي تمتلكها الصين واستثماراتها الضخمة في الأصول العالمية تجعلها لاعباً أساسياً في التمويل الدولي، وأي عملية تباطؤ في الاقتصاد الصيني مهما كانت نسبتها قد تدفع الحكومة الصينية إلى سحب الأموال والسندات المالية، أو تقليص الاستثمار في الأسواق الأجنبية، ما يؤدي إلى زيادة التقلبات في الأسواق المالية والتجارية، وانخفاض السيولة النقدية في الأنظمة المالية العالمية، وهذا ما تخشاه الدول الغربية الأمريكية- الأوروبية بشكلٍ أساسي.
وتعتبر الصين مصدراً أساسياً ومهماً للاستثمارات الأجنبية المباشرة وتمويل البنية الأساسية، وخاصة من خلال مبادرات مهمّة وضخمة جداً مثل مبادرة الحزام والطريق، وهو نفسه طريق الحرير الجديد، تلك المبادرة قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.