الموسيقا غذاء الرّوح ولكن…
نجوى صليبه
قالها جبران خليل جبران منذ زمن
اعطني النّاي وغنّي فالغنى سرّ الوجود
وأنين النّاي يبقى حتّى بعد أن يفنى الوجود
وقبله بزمن بعيد أكثر، قال أدباء ومثقفون وموسيقيّون العديد من العبارات والقصائد في الموسيقا وأهميّتها في حياة الإنسان، فبعضهم قال إنّها تهذّب الرّوح والنّفس وتخفّف عدائيتها وتمنح المستمع إليها سلاماً وطمأنينة لا مثيل لهما، كما ذهب البعض، حديثاً، إلى العلاج بالموسيقا، لكنّ للأسف ما يزال هذا العلاج غير دارج أو مستخدم في بلادنا إلّا ما ندر، وذلك لأسباب عدّة لن نتوقف عندها الآن، إنّما سنتوقّف عند أكثر العبارات التي قيلت في الموسيقا شعبيةً وهي “الموسيقا غذاء الرّوح” المقتطفة من قول الكاتب والشّاعر المسرحي الإنكليزي “وليم شكسبير”: “إذا كانت الموسيقا غذاء الرّوح.. فلتعزفوا”، وعلى ما يبدو أخذنا كما العادة الجزء الأوّل وتركنا الآخر، فلا يكفي أن نفرح ونندهش عندما نشاهد مقطعاً مصوّراً لأطفال أجانب وهم يعزفون أصعب المقطوعات الموسيقية وعلى مختلف الآلات، ونتحسّر على أبنائنا لأنّهم لا يملكون مواهبهم ولأنّ الظّروف الخاصّة والعامّة لا تسمح بتسجيلهم في معاهد خاصّة أو حكومية لتعلّم العزف على آلة موسيقية يقترحها الأهل أو يرغبها الطّفل.
صحيح أنّ الوضع اليوم والاهتمام بتعليم الأطفال الموسيقا أفضل من قبل، لكنّه ما يزال دون المطلوب والمرغوب، ولأنّ أطفالنا يملكون مواهب وإمكانيات تفوق ما يملكه غيرهم، لكنّهم بحاجة إلى أهل يهتمّون بهم ويسيرون أمامهم ويقدّمون لهم الأفضل، لكن وللأسف الحجج دائماً جاهزة عند بعض الأهل، ولعلّ أوّلها الوضع الاقتصادي الصّعب الذي يعانيه معظمنا، لدرجة أنّ البعض لا يعرف كيف ينهي الشّهر، وهنا تقول الغالبية إنّ ما يهمّها في هذه الحياة هو تأمين الطّعام واللباس لأولادها، مع العلم أنّ البعض يفضّل تقديم هاتف جوّال لابنه النّاجح في الصّفّ السّادس الابتدائي -بسعر مرتفع- على أن يسجّله في معهد لتعلّم الموسيقا، مع العلم أنّ هناك معاهد رسوم الاشتراك السّنوية فيها منخفضة جدّاً لدرجة أنّها تقلّ عن سعر أرخص جوّال اليوم.
الهمّ كبير والحديث يطول، ولأنّنا اليوم نعيش أياماً عصيبةً، تتطلب منّا أن نعدّ عدّتنا كلّها لمقاومة العدوّ الصّهيوني، ولأنّ الثّقافة مقاومة كما نؤكّد دائماً، نختم بما بدأنا وبما قاله جبران خليل جبران في كتابه “الموسيقا” الذي نشر أوّل مرة في عام 1905: “تسير الموسيقا أمام العساكر، إلى الحرب فتجدّد عزيمة حميّتهم وتقوّيهم على الكفاح، وكالجاذبية تجمع شتاتهم وتؤلّف منهم صفوفاً لا تتفرّق.. ما سارت الشّعراء أمام الكتائب إلى ساحات القتال، موطن المنيَّة، لا ولا الخطباء، وما رافقتهم الأقلام والكتب، بل مشتْ أمامهم الموسيقا كقائدٍ عظيم، يبثُّ بأجسامهم الواهنة قوّةً تفوق الوصف، وحميّة تنبّه في قلوبهم حبّ الانتصار فيغالبون الجوع والعطش وتعب المسير، ويدافعون بكلِّ ما في أجسادهم من القوَّة”.