أحداث مفصلية في الاقتصاد العالمي
ريا خوري
كلّ المعطيات تشير إلى أن العالم ينتظر المزيد من الاضطرابات السياسية والأمنية والعسكرية، والتي بالتأكيد ستنعكس بشكلٍ سلبيّ على الاقتصاد العالمي، فالظروف العامة في العديد من دول العالم ما زالت في اضطراب شديد التعقيد جراء الحرب الساخنة في أوكرانيا، فقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها استنزاف قوة روسيا الاتحادية الاقتصادية وما تملك من احتياطات متراكمة، والتي كانت تقارب ما يزيد على الستمائة مليار دولار أمريكي، ناهيك عن زيادة التوتر في الصين ومحيط بحر الصين الجنوبي.
أبدى كبار الخبراء الاقتصاديين في العالم رغبتهم في التعبير عن التطورات والتحولات الاقتصادية في العالم على أنها أحداثٌ وتحولات تحفر عميقاً في مستقبل نمط وجوهر عناصر العلاقات الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى ما هو مستحدث من قضايا يتمّ تداولها، المادي التكنولوجي والسلعي المتقدّم جداً. فعلى سبيل المثال فاجأ الرئيس التنفيذي لعملاق صناعة السيارات الألمانية (فولكس فاغن) أوليفر بلوم أوساط الأعمال والمال في القارة الأوروبية بتصريح مقلق ومحبط، حيث صرّح بأنّ صناعة السيارات الأوروبية في وضع صعب جداً، وهي في حالة تراجع غير مسبوقة، وأن البيئة الاقتصادية التي تعمل فيها أصبحت قاسية، وهذا ما جعل صناعة السيارات الأوروبية في وضع متأخر، بل متخلّف قبالة منافسيها، وأن جمهورية ألمانيا الاتحادية بالذات أضحت في مؤخرة الركب، وهو يقصد بالطبع صناعة السيارات الصينية، ولاسيما السيارات الكهربائية التي تفوقت إلى جانب (تيسلا) على منافساتها الأوروبية، وهي ذات كفاءة وقدرة عالية ورخيصة الثمن قياساً إلى ثمنها في الدول الأوروبية وتحديداً في دول الاتحاد الأوروبي.
لقد وجد الاتحاد الأوروبي نفسه في وضع اقتصادي مستجد وغير مسبوق، حيث عهد إلى ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، تحليل ودراسة أسباب انهيار اقتصاد الدول الأوروبية، لكن دراغي يخشى أن يصارح قيادات الاتحاد الأوروبي بأن سبب تفاقم هذه الأزمات هو حالة التدمير الشامل لعلاقات دول الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، ولاسيما في مجال الطاقة، مع جمهورية روسيا الاتحادية، عبر حزم العقوبات المتوالية الجائرة ضد روسيا منذ الحرب الساخنة في أوكرانيا مطلع عام 2022 م.
كما أن توصيته للتغلّب على المأزق الاقتصادي من خلال تدبير كتلة استثمارية ضخمة إضافية سنوية تتراوح ما بين سبعمائة وخمسين إلى ثمانمائة مليار يورو، تعتبر حساسة جداً لأحزاب حاكمة بدأت تتآكل شعبيتها بشكلٍ كبير قبالة أحزاب أقصى اليمين الشعبوي المتطرف الصاعدة على أخطاء تلك الأحزاب.
وفي حين تلقت الصناعة الألمانية ضربة موجعة وقاصمة، كان الاقتصاد الروسي يجني ثروة طائلة من بيع مصادر الطاقة من نفط وغاز بأسعار أفضل من الأسعار التفضيلية التي كانت تدفعها دول الاتحاد الأوروبي، وكلّ الفضل في ذلك يُنسب للعقوبات الأوروبية الجائرة على روسيا.
اليوم السيناريو نفسه يتكرّر في علاقة الشحن والمجابهة الباردة والساخنة التي باتت تطبع علاقات الولايات المتحدة مع الصين. وفي حين تحضر مصادر الطاقة من نفط وغاز في نموذج المجابهة الروسية- الأوروبية، فإن التقنية الدقيقة، ولاسيما تكنولوجيا أشباه الموصلات الدقيقة هي الحاضرة في الخلاف الناشب بين بكين وواشنطن. لقد باتت الصين قادرة على أن تتخطى الولايات المتحدة، وتهيمن على نحو تسعين بالمائة من مجالات الابتكارات التقنية. ولأنّ من الاستحالة بمكان ملاحقة ومتابعة التحولات التكنولوجية فائقة الذكاء الاصطناعي المتسارعة في الصين، فقد أصبح الحلّ الوحيد للولايات المتحدة هو الاستحواذ على ما لدى حلفاء الولايات المتحدة من تقنيات متقدمة، كما حصل مع شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات فائقة الدقة، أكبر شركة لصناعة الرقائق في العالم.
وبالنظر إلى المناهج السياسية وميكانيزمات صناعة القرار السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة التي تسعى بكلّ ما تملك من إمكانيات التشبث بالهيمنة والسيطرة عبر تغذية الصراعات وسيطرة الشركات العابرة للقارات والعابرة للقوميات، نجد أن انتخاب المشرّعين في الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ يرتكز في الدرجة الأولى على دعم قوي وتمويل ضخم جداً بمئات الملايين من الدولارات من شركات وكارتيلات ضخمة لها مصالح عديدة، سواء داخلية على مستوى الولايات (مجلس النواب الأمريكي) أو خارجية (الرئاسة ومجلس الشيوخ)، وهذا الإنفاق المالي السخيّ والموقف السياسي الداعم يعتبر نوعاً من الاستثمار في سياسيين ليسوا فوق مستوى الشبهات، مثل السياسي الأمريكي بوب مينينديز واسمه الحقيقي (روبرت مينينديز) من الحزب الديمقراطي والذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي.