هل يسير العالم معصوب العينين نحو حرب نووية؟
سمر سامي السمارة
“لا أعرف بأي أسلحة ستخاض الحرب العالمية الثالثة، لكن الحرب العالمية الرابعة ستخاض بالعصي والحجارة”، هذا ما قاله ألبرت أينشتاين في أربعينيات القرن الماضي،
وفي خطاب التخرج “إستراتيجية السلام” الذي ألقاه في الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة عام 1963، قال الرئيس الأمريكي جون كينيدي: “في حين ندافع عن مصالحنا الحيوية، يتعين على القوى النووية أن تتجنب تلك المواجهات، التي تضع الخصم أمام خيار الانسحاب المهين أو الحرب النووية، مضيفاً إن تبني مثل هذا المسار في العصر النووي لن يكون إلا دليلاً على إفلاس سياستنا ــ أو على رغبة جماعية في تدمير العالم”.
خلال عام 2024 المشؤوم، انصرف انتباه العالم، أولاً بالحرب المستمرة والمتوسعة التي أثارتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “لإضعاف روسيا”، كما قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وهي حرب بالوكالة تم التخطيط لها منذ عام 1991، أي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة.
في واقع الأمر، كانت هذه حرباً بالوكالة منذ البداية بين الولايات المتحدة وروسيا، روج لها المحافظون الجدد الأمريكيون، فقد بدأت الحرب رسمياً بتمويل من الإدارة الأمريكية للإطاحة بشكل عنيف بالحكومة المنتخبة للرئيس فيكتور يانوكوفيتش، في شباط 2014.
وخلال هذا العام أيضاً، استمر الكيان الصهيوني بشن عدوانه على غزة منذ تشرين الأول الماضي، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني، كما تسببت المجازر والدمار الواسع النطاق التي يرتكبها الاحتلال إلى تحويل الآلاف من الأطفال إلى أيتام، ومع ذلك، من الواضح أن هذه المجازر بحق الشعب الفلسطيني في العصر الحديث لا يبدو لها نهاية في الأفق.
من ناحية أخرى، شهد العالم أيضاً هذا العام ملحمة سياسية في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عندما تعرض الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن لضغوط لسحب ترشيحه لصالح نائبة الرئيس كامالا هاريس، ومع ذلك، كانت هناك تطورات أخرى أكثر رعباً تجري في الظل، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في 20 آب الماضي، أن الرئيس بايدن وافق سراً في آذار الماضي، في عرض خطير لسياسات حافة الهاوية، على خطة إستراتيجية نووية أميركية جديدة منسقة، تهدف لمواجهة تحديات نووية محتملة من روسيا والصين وكوريا الديمقراطية، متناسية أن الولايات المتحدة كانت الدولة الأولى والوحيدة التي ألقت قنابل نووية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في شهر آب 1945، ما أسفر عن موت وتشويه مئات الآلاف من المدنيين.
إن النظر إلى حرب نووية عالمية في هذا العصر على أنها ممكنة، بل ومرجحة، أمر مدهش للغاية، وكما يوضح الاقتباس أعلاه لخطاب الرئيس جون كينيدي في خطابه في حزيران 1963، فإن “تبني هذا النوع من المسار في العصر النووي لن يكون إلا دليلاً على إفلاس السياسة الأمريكية ــ أو على رغبة جماعية في الموت للعالم”.
ومع انهيار بنية ضبط الأسلحة في العالم، يهدد برامج الإنفاق النووي بإشعال فتيل سباق تسلح نووي ثلاثي الأطراف، وتتصاعد الضغوط في واشنطن، وخاصة بين أنصار المجمع الصناعي العسكري الأميركي، لحمل الولايات المتحدة على المزيد من التسلح النووي، فالاستعداد للسيطرة قد يعلن عن عصر جديد من تطوير الأسلحة النووية الجديدة، بما في ذلك نشر الأسلحة النووية الهجومية العابرة للقارات، وهذا يعني أن القوى النووية الرئيسية قد توسع تطوير الأسلحة النووية الجديدة في الوقت الذي تستمر فيه التوترات الجيوسياسية في التزايد، ما يعرض أمن جميع الدول للخطر.
ساعة يوم القيامة
وفقاً لنشرة علماء الذرة، تم ضبط استعارة أو رمز ساعة يوم القيامة، التي تم إنشاؤها في عام 1947، على 90 ثانية قبل منتصف الليل في شباط 2023، وتم الاحتفاظ بها عند تلك النقطة المرتفعة في شباط 2024، لأن البشرية لا تزال تواجه مستوى عالٍ من الخطر في ثلاثة مجالات رئيسية: أعظم خطر للحرب النووية، والعواقب السلبية المستمرة لتغير المناخ، والتهديد الجديد للذكاء الاصطناعي.
في تموز 1991، عند انتهاء الحرب الباردة، وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي معاهدة تخفيض الأسلحة الإستراتيجية الثنائية “ستارت 1” الرامية إلى تعزيز نزع السلاح النووي، والتي فرضت على الجانبين تقليص ترسانات الأسلحة النووية الهجومية الإستراتيجية، ثم تم ضبط ساعة يوم القيامة للعلماء الذريين على 17 دقيقة قبل منتصف الليل، وكانت معاهدة “ستارت” الأولى ناجحة، فقد أدت إلى التخلص من قرابة الـ 80% من كل الأسلحة النووية الإستراتيجية الموجودة آنذاك، عندما اكتمل تنفيذها النهائي في أواخر عام 2001.
لكن اليوم، ومع دخول العالم في حرب باردة ثانية جديدة، وتصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من جهة وروسيا والصين وكوريا الديمقراطية من جهة أخرى، باتت مخاطر وقوع كارثة نووية عالمية كبرى مرتفعة للغاية، فبعد نجاح معاهدة “ستارت” الأولى، تم توقيع معاهدتين إضافيتين بين الولايات المتحدة وروسيا لتقليص مخزونات الأسلحة النووية بشكل أكبر، ولكن المعاهدتين فشلتا.
ففي كانون الثاني 1993، وقع الرئيس الأميركي جورج بوش الأب والرئيس الروسي بوريس يلتسين معاهدة جديدة لتخفيض الأسلحة الإستراتيجية أطلق عليها “ستارت الثانية”، لتوسيع ما أنجزته معاهدة “ستارت الأولى”، لكن هذه المعاهدة الجديدة لم تدخل حيز التنفيذ قط، فقد قررت إدارة جورج دبليو بوش في حزيران 2002 الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي منذ عام 1972، والتي كانت أحدى الشروط الضرورية لنجاح معاهدة “ستارت الثانية”.
وقد اعتبر العديد من المراقبين، الانسحاب الأميركي من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية الخطوة الأولى نحو التخلي عن القيود القانونية الفعّالة المفروضة على انتشار الأسلحة النووية. بعد ذلك، حاول الرئيس باراك أوباما إحياء التخفيض المتبادل للأسلحة النووية الهجومية من خلال توقيعه على معاهدة “ستارت الجديدة” في نيسان 2010 مع الرئيس الروسي آنذاك دميتري ميدفيديف. وكان من المقرر أن تستمر معاهدة “ستارت الجديدة” لمدة عشر سنوات، مع خيار تجديدها لمدة تصل إلى خمس سنوات بموافقة الطرفين، ولكن في شباط 2017، أبلغ الرئيس دونالد ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه سينسحب من معاهدة “ستارت الجديدة”، مدعياً أنها مواتية للغاية لروسيا وأن هذه كانت “صفقة سيئة” تفاوضت عليها إدارة أوباما.
فشلت جميع المحاولات بين ترامب وبوتين لصياغة بديل لمعاهدة “ستارت الجديدة” قبل انتهاء صلاحيتها في عام 2021، وأفادت روسيا أن إدارة ترامب قامت بتفكيك الاتفاقيات المبرمة في مجال مراقبة الأسلحة الدولية عمداً وبشكل مقصود، مشيرة إلى نهجها “ذات النتائج العكسية والعدواني بشكل علني” في المحادثات.
لقد أصبح العالم على نحو متزايد مكاناً أكثر فوضوية وأشد خطورة من أي وقت مضى، ويرى مراقبون أن الافتقار الحالي إلى اتفاقيات الردع النووي له علاقة كبيرة بما يحث الآن، وإذا استمر زعماء الغرب في التقليل من أهمية التهديد بحرب نووية شاملة، وتخيل فكرة شيطانية مفادها أنهم قادرون على “الفوز” بحرب نووية، فقد يتجه العالم مباشرة نحو كارثة وجودية.