دراساتصحيفة البعث

“أوهن من بيت العنكبوت”

د. معن منيف سليمان

قالها ذات يوم سيد المقاومة الشهيد السيد حسن نصر الله: ولّى زمن الهزائم، وجاء زمن الانتصارات. على الرغم من امتلاكه طائرات إف 15، وإف 16، وإف 35، والقنابل الذرية، فإن الكيان الصهيوني “أوهن من بيت العنكبوت”. إنه يترنح وهو آيل إلى السقوط، الأيام تؤكد هذه الحقيقة السافرة لكل ذي عين بصيرة وقلب سليم. “إسرائيل” إلى زوال من منطقتنا العربية. هذا هو الذي استقر في وعي ولا وعي الشعوب العربية والإسلامية”.

يُشار إلى أن الشهيد السيّد نصر الله كان قد وصف “إسرائيل”، في احتفال تحرير الجنوب في الخامس والعشرين من أيار عام ألفين بأنها “أوهن من بيت العنكبوت” حُفرت هذه العبارة في الوعي الإسرائيلي، منذ وقتها إلى اليوم.

هم أشبه بالعنكبوت في الضعف، وكيانهم مثل بيت العنكبوت في الهشاشة والضعف، القابل للتمزيق والتبديد عند أدنى ملامسة؛ ذلك أن بيت العنكبوت عبارة عن نسيج من خيوط دقيقة، شفافة واهية، لا يكاد اللمس يقاربها، أو الريح تهبّ عليها إلا وتتمزق، وتذهب أدراج الرياح، فلا تحمي العنكبوت، ولا تردّ عنه غائلة العوارض.

وكما هي حال بيت العنكبوت وهنّاً وضعفاً، كذلك هي حال القوى التي يلجأ إليها الناس طلباً للدعم والمساندة، والتي يجعلونها عوناً لهم لتمدّهم بأسباب القوة.

“إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، عبارة لطالما ردّدها الشهيد السيد حسن نصر الله. واليوم، تأتي على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، بعد تنفيذ غارات إسرائيلية هي الأعنف على الضاحية الجنوبية لبيروت، استهدفت مقر قيادة حزب الله.

“نتنياهو” قال خلال استقبال له في الفندق، حيث كان يقيم لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، قبل أن يقطع سفره عائداً إلى تل أبيب، “البعض اعتاد أن يتحدث عن بيت العنكبوت، لكن إسرائيل أثبتت قوتها، وأنها من فولاذ”.

إن العالم يعلم بأن بقاء الكيان الصهيوني الغاصب رهن بالدعم الواسع الذي يقدّم له من أمريكا وبعض الدول الغربية تحت مظلة الصهيونية العالمية، وفي هذا الصدد يقول “يتسحاك بريك”، جنرال إسرائيلي متقاعد: “يجب أن نفهم أن محاولاتنا المستمرة لسحق حزب الله ستؤدي أيضاً إلى سحق دولة الكيان في الشمال والجنوب. يكفي أن تقرّر الولايات المتحدة وقف إرسال الأسلحة إلى طائراتنا والذخيرة إلى الوحدات البرية، وسوف تركعنا وتجبرنا على تنفيذ ما تمليه علينا”.

وقال معلق الشؤون العسكرية في القناة الثالثة عشرة الإسرائيلية، “آلون بن دافيد”: “إنّ نصر الله يقرأ الوضع في إسرائيل بصورةٍ صحيحة” وإنّ كلّ من ينظر إلينا يدرك أن المجتمع الإسرائيلي متصدّع”.

وأكد موقع “والاه” العبري أنّ “إسرائيل” الآن في أقرب نقطة للوصف الذي وصفها إياه الشهيد السيد حسن نصر الله بأنّها “أوهن من بيت العنكبوت”، وعدّ الموقع أنّ حزب الله في عام 2023 أقوى وأكبر مما كان عليه عام 2006.

من جهته من يسمّى بـ”رئيس منتدى بلدات خط المواجهة” في شمالي فلسطين المحتلة، “موشيه دافيدوفيش”، قال للقناة “13” “الإسرائيلية”، إنّ تقديراته تُفيد بأنّه “سيكون هناك مئات، وربما آلاف القتلى، من جرّاء صواريخ حزب الله، مشيراً إلى أنّ سكان مناطق شمالي فلسطين المحتلة، يعيشون حالة من القلق الكبير، وقال: “أنا لا أنام جيداً في الليل، كذلك كلّ سكان خط المواجهة”، وتطرق إلى ضعف التحصينات، وقال إنّ الأخطر أنّ السكان غير محصنين، ومن لديه غرفة محصنة ومن ليس لديه، فعليه أن يصلي كي لا تحدث هنا حرب”.

ورأى ما يسمى “معهد أبحاث الأمن القومي” في كيان العدو أن “حزب الله” ينظر إلى الأحداث الداخلية الإسرائيلية منذ تشكيل حكومة “بنيامين نتنياهو” على أنها مؤشرات واضحة على استمرار ضعف تل أبيب.

وبحسب التقرير، فإنّ الأزمة الداخلية والاحتجاجات الواسعة في “إسرائيل”، إلى جانب تصاعد العمليات الفدائية الفلسطينية، تُقوّي تصوّر نصر الله القائم على أنّ الضعف الداخلي لـ “إسرائيل” ساحق.

يُضيف التقرير أنّ هذه الأزمة كانت تُقنع نصر الله بقدرة الحزب على ردع “إسرائيل” ومواجهتها في حال حدوث صراع عسكري، مستشهداً باستعارته السابقة لبيت العنكبوت فيما يتعلّق بالمجتمع الإسرائيلي، ليعلن أنّ “إسرائيل” على شفا حرب أهلية، وأنّها تقترب من نهايتها.

فحضور اليهود من جميع أنحاء العالم وانضمام مئات الآلاف منهم لجيش الاحتلال الذي يسمّى بـ “جيش الدفاع” مردّه إلى الإغراءات الحكومية بامتلاك أرض الفلسطينيين من دون مقابل وقتل وتهجير أصحاب الأرض الأصليين، ووعْد الأمان الذي أطلقتْه حكومات “إسرائيل” منذ إنشائها عام 1948 ويرتكز على حماية جيشٍ سيقدّم لهم الضمانة الأمنية اللازمة بصفته أقوى جيوش الشرق الأوسط، إلا أن حسابات رئيسة الوزراء السابقة غولدا مائير أخطأت حين اعتقدتْ أن “الكبار يموتون والصغار ينسون”.

وقد أثبتت المقاومة، على الرغم من إمكاناتها المتواضعة أمام جيشٍ يستخدم الذكاء الاصطناعي وأقوى الأسلحة البحرية والبرية والجوية، أنها تشتبك مع جيش خائف، أوهن من خيوط العنكبوت، ويحتاج لدعم قوة عظمى وضباطها واستخباراتها وأسلحتها وذخائرها وإمداداتها وحمايتها ليستطيع ارتكاب جرائمه لأنه، بالدرجة الأولى، يخشى على استمراريته.

لقد شاهد العالم مندهشاً كيف تحوّلت أجهزة الأمن ومخابرات الاحتلال إلى أضحوكة، وهي التي كانت ولا زالت تتباهي بمنظومتها الأمنية، وقدراتها العسكرية في المنطقة والعالم.

كيف استطاع المقاومون أن يكسروا كل الحصون، ويصلوا داخل مقر قيادة جيش الاحتلال، وتضليل منظومته الأمنية، بل حتى السيطرة على معلومات دقيقة، حول نيات الاحتلال العدوانية تجاه جبهة المقاومة في غزة، وكشف ألاعيب المخابرات الصهيونية، التي تحاول النيل من المقاومة وقيادتها، وكيف استطاعت المقاومة استغلال الفرص المتاحة، والثغرات الأمنية بشكل سريع، وذكي، وفعّال، لتوجيه ضربة لعملائه وتفكيك شبكاته الأمنية.

فبعد عام من الحرب، لا زالت “إسرائيل” متعثّرة داخل قطاع غزة، حيث لم تخفق فقط في تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة (تحرير الأسرى والقضاء على “حماس”)، بل هي تقود حرباً لا أخلاقية لم يشهد لها العالم مثيل بجيشٍ مؤلف من مرتزقة أتوا من جميع أنحاء العالم وتجمعهم كلمة “يهودي” على الهوية ومجرَّدين من روحية القتال. بل إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتراجع عن الكثير من المنجزات العسكرية التي حققها خلال الحرب ليعود ليقصف المناطق نفسها التي كان قد أعلن السيطرة عليها والقضاء على المقاومة فيها.

ويقول الإعلام الإسرائيلي إن هناك أكثر من 30 ألف حالة نفسية مضطربة جراء الحرب وفظائعها بين أفراد الجيش الذي يحارب في غزة، إلى جانب مئات الآلاف الذين غادروا خوفاً من انعدام الأمن وحالة اللا يقين التي انتشرت بين المهاجرين الذين أتوا إلى فلسطين لمزيد من اغتصاب الأرض وبحثاً عن حماية الدولة والجيش.

وتشير الأبحاث إلى أن “الخوف الشديد مع غريزة البقاء يؤدي إلى سلوك عدواني مفرط كآليةٍ دفاعية في خضم المعركة وإلى ارتكاب أفعال لا يفكرون فيها في الظروف العادية في محاولة لكيّ وعيهم ضد الشعور بالذنب أو الصراع الأخلاقي الناشئ عن أفعالهم”.

وهناك دراسات عدة حول أداء “الجيش الخائف الذي يقتل ليحقق كيّ الوعي عند العدو أو لتوجيه رسالة للعالم تم فهْمُها حول الأفراد والمجموعات التي تنتهك المعايير الأخلاقية في البيئات شديدة التوتر مثل الحرب”.

وكلّ هذه الدراسات تصبّ في خانة مفهوم مشترك أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يرتكب فظائعه لأنه “خائف” ويحاول “كي الوعي” ليس فقط لكي لا يفعل به مرة ثانية ما حصل له في السابع من تشرين الأول، بل لأنه يخشى الإخفاق بردع الأعداء الذين أصبحوا أقوياء لدرجة التحدي.

حتّى وقت قريب، كان الحديث عن بداية تفكّك الكيان ضرباً من الرجم بالغيب، المُستهجَن لدى كثيرين، وكان هذا الحديث حِكراً على الكُتّاب في علم المُستقبليّات وعلوم الجُمّل، والباحثين في نبوءات الكُتب المُقدّسة وغير المُقدّسة. أمّا اليوم، فالحديث، مثلاً، عن “الهزيمة الإستراتيجية” التي مني بها الكيان صار طبيعياً ويجري على لسان ساسة وخبراء عسكريين كبار، وهو تعبير قريب الشبه بما تحدّث به الشهيد السيد حسن نصر الله من أن الكيان زائل وأنه “أوهن من بيت العنكبوت”.