الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

حَتّامَ؟!!

عبد الكريم النّاعم

دخل صديقه بملامح وجه شبه مُبهَمة، جلس وقال: “حتّامَ ما نحن عليه؟!”.

أجابه: “لم أفهم.. ماذا تقصد؟”.

قال: “أزمة وراء أزمة، من تأمين لُقمة العيش، إلى هذه النيران التي لا تخمد في فلسطين ولبنان”.

أجابه: “حتّام هذا في علم الله، ولا يُطْلِعُ على غيْبه أحداً”.

قاطعه: “ألهذه الدرجة الأمر مُبْهَم عندك؟!”.

أجابه: “ليس عندي وحدي”.

قاطعه: “هل تَعتقد أنّ الدوَل الكبرى مثلنا لا تعرف أيضاً؟!”.

أجاب: “لا، الدول الكبرى، من خلال ما لديها، ذات أفق واسع، وهي في بعض الحقول تسيّر الأمور كما تشاء، كتحريك جهة هنا، أو أخرى هناك، لأهداف قد تخفى على الكثيرين إلاّ من خلال المنظور العام في التقييم”.

قال: “هل تعني ضمناً أنّ هذه القوى الظالمة هي التي ترسم حدود ما سيأتي، وأنّنا لا حول لنا ولا قوّة؟”.

أجابه: “هذا يتحقّق بعضه في حدود ما، وقد لا يتحقّق، تُرى هل كانت أمريكا طاغوت هذا العصر فرحة بنتائج خروجها من أفغانستان وغيرها؟ بالتأكيد لا، ونحن نستقرئ التاريخ ليساعدنا على بلوغ فهم أعمق، التاريخ مضى، أمّا الحاضر فهو في جريان مستمرّ، ومن الصعب التكلّم عن النتائج حين تكون المعارك دائرة”.

قاطعه: “هل نحن مجرّد رُقعة تتحرّك فوقها قوى العدوّ؟”.

أجابه: “لو كان الأمر كذلك لما رأيتَ هذا الاشتعال الذي وضع أعداءنا، وهم في ذروة قوّتهم في مأزق”.

قاطعه: “هل تظنّ أنّهم في مأزق حقيقيّ؟”.

أجابه: “ليس من الضروري أن يقول عدوّك إنّه في مأزق حتى تصدّقه، والوقائع إذا كانت واضحة كرابعة النّهار لا تحتاج إلى شهود، العالم كلّه في مأزق نتيجة المجازر التي يرتكبها العدو الأمريكي- الصهيوني في فلسطين ولبنان، مدعوماً دعماً مُطلَقاً من عواصم أوروبا، وبمَن يسير في ركابهم من دول”.

قاطعه: “هذا الذي جعلَني أتساءل حتّامَ؟”.

قال: “يا صديقي لسنا نحن مَن اختار ما نحن عليه، لا شكّ في أنّ بعض ما نحن فيه من صُنْع أيدينا، أعني سلبيّات ما في حياتنا الداخليّة، وهذا أمر ليس عصيّاً على المعالجة، أمّا ما يمكن القول فيه إنّه من خارج، فمُعظمه فُرض علينا فرْضاً، هل نحن مَن اختار حريق الخراب العربي؟!! هل نحن مَن طلب أن تُدمَّر البيوت فوق رؤوس ساكنيها؟!! هل نحن مَن يُبيد مساحات واسعة في غزّة ولبنان إبادة تشمل البشر والشجر والحجر وإمكانيّة العيش؟!! أنا أعتقد بأنّه علينا برمجة أنفسنا لتكون أفكارنا خارجة من أرض الواقع، لا من أرض الأمنيات، الأمنيات كثيرة، وبعضها يدخل في عالم الحلم، وليس بإمكان أحد إيقاف حركة الحُلُم في حياة الناس، بيد أنّ الواقع يدعونا لننطلق من معطيات الوقائع، متشبّثين بألّا نسمح للفارق الكبير بين إمكاناتنا وما يملكه العدو.. أن يُدخِلنا في مناطق اليأس والتسليم، بل ألا نَغفل عن أنّ قوة صغيرة كالمقاومة، مضى عليها عام وهي تقاتل أعتى وأقوى قوى جبارة معاصرة، وألا نتنازل عن حقوقنا قيد شعرة.. أنا أعلم أنّ ثمّة مَن يقول يا أخي ما لنا ولهذا الأمر، يجري علينا ما يجري على الآخرين، ويذكرون بلداناً بعينها، ويرونها تعيش بهدوء وسلام.. لهؤلاء نذكّر بأنّ صُفوة زمن سيدنا محمد (ص) وآله.. لو قالوا مثل هذا القول لظلّ تجّار قريش وصنميّوها متربّعين على عروشهم، هل رأيتَ محتلاًّ عبر التاريخ يقتدي الناس به؟!،.. ثمّة صوى، وعلامات يُهتَدى بها، والمقاومون في هذا الزمن هم علاماته وصُواه.

aaalnaem@gmail.com