الإعلام الإلكتروني واختراق الحواجز المكانية والزمانية
أمينة عباس
تجمع الدراسات الحديثة على أن الإنترنت أصبح أكثر وسيلة إعلام متعدّدة المهام أهميةً بالنسبة إلى الشباب، بينما تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية في حياة معظم الشباب، وفي ظلّ غياب للدراسات العربية أظهرت دراسة ألمانية أن 93% من الشباب في ألمانيا يستخدمون الإنترنت يومياً، كما أشارت الدراسة إلى تزايد أهمية شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت بالنسبة إلى الشباب، وفي المقابل يطالع 21% فقط من جيل الشبكة العنكبوتية الصحف و6% المجلات.
وبناءً على ما سبق لم يعد بالإمكان تجاهل المتغيّرات التي تطرأ على مجتمعنا وسلوكيات أفراده، ولاسيما الجيل الشاب الذي زامن التطور الكبير للتكنولوجيا التي حرفت مسارات عديدة كانت بالنسبة إلى الأجيال السابقة نظام حياة. من هنا أصبح الإعلام الإلكتروني الذي كان موضوع الندوة التي عقدت، مساء أمس، في المركز الثقافي العربي بـ”أبو رمانة” حقيقة لا يمكن تجاهلها وأمراً يجب ألا نغرد خارج سربه.
يقول الإعلامي سامر الشغري: “الإعلام الإلكتروني أصبح عبارة عن قوة مسيطرة نشهدها في كلّ الحالات، وبات من الخطأ معاداته وهو الذي كان له الدور الكبير في كشف جرائم الاحتلال الصهيوني في غزة ولبنان من دون إنكار أنه سلاح ذو حدّين، لذلك يجب أن نعرف كيف نستخدمه لصالحنا، وألا نكون مجرد متلقين لمحتوى فارغ بتحويله إلى أداة نهضوية تعليمية يحقق غاية ثقافية ومعرفية، وذلك بدعوة المثقفين والنخب إلى أن يكونوا حاضرين فيه لتوجيه الدفة نحو محتوى مفيد لنشر المعرفة بدلاً من ترك هذا المحتوى في أيدي عديمي الثقافة المسيطرين الآن عليه لتقديم التفاهة والذين يجدون رواجاً لما يقدمونه لأنهم هم الموجودون في ساحته، الأمر الذي جعل الكاتب والفيلسوف الإيطالي “أمبرتو إيكو” يقول: “مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس نبيذ من دون أن يتسبّبوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتمّ إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل.. إنه غزو البلهاء”.
وكان الشغري قد أشار في بداية حديثه إلى بدايات الإعلام الإلكتروني والصحافة الرقمية في العالم قائلاً: “كانت سورية عربياً سبّاقة لدخول عالم الاتصالات، إذ وفرت نشر الأخبار والصور بسرعات هائلة، وجعلت أي إنسان يمكنه أن ينقل حدثاً خلال ثانية على مسافة آلاف الكيلومترات باعتبارها اعتمدت على فضاء الشابكة لنشر الإعلام التقليدي، وقد أدّى التفاعل بين الصحافة والجمهور عبر الإنترنت إلى التحول نحو النموذج التشاركي في تأطير الأخبار، حيث تظهر الخطابات البديلة إلى جانب الصحافة التقليدية، مع الإشارة إلى أن الصحافة الرقمية سمحت بالحصول على المزيد من الخيارات فيما يتعلق بما يمكن مشاهدته وقراءته، كما أتاحت طرقاً جديدة لسرد القصص والتواصل والمناقشة على مستويات لا توفرها الصحافة المطبوعة بمفردها، حيث يمكن للأشخاص التعليق على المقالات ومناقشتها، وهو ما كان قبل ظهور الإنترنت مستحيلاً”.
وعادت الإعلامية رنا سلوم في مشاركتها إلى نشأة الإعلام الإلكتروني الذي من ميزاته أنه “يعتمد على كلمات مفتاحية وشكل الكتل الصغيرة وتجزئة المضمون إلى قطع، معتمداً على النص المفتوح بكمية معلومات هائلة وتحليل بيانات وربطها بكلمات فرعية لفتح روابط تتحدث عن المضمون ذاته وسُمّي بالنص الفائق”.
ولأن الإعلام الإلكتروني بات أمراً ضرورياً ولا بدّ من مواكبته فإنه، حسب سلوم، لا بدّ من “رفع سويته لأن أي عمل نقوم به اليوم إذا لم تتناوله عين هذا الإعلام ويتمّ نشره من خلاله فإنّه لا وجود له، ويجب علينا رفع سوية تعاملنا معه وتطويره من خلال تغيير التفكير الاستراتيجي والابتكار والإبداع بمنهجية عمله وإنشاء مرصد إعلامي باللغات الأجنبية لمتابعة جميع ما يُكتب ويُنشر والتعاون مع وزارتَي الاتصالات والإعلام لتسريع عمل الشبكة، مع ضرورة امتلاك الصحفي لأدواته لكي يستطيع إنشاء خطاب وطني يضمن حق المواطن في الحصول على الخدمات الإعلامية بأنواعها المختلفة، كذلك ضمان حرية العمل الإعلامي والتعبير عن الرأي، وذلك بربط الإعلام بالمجتمع بما يعزّز الهوية الوطنية والتنوع الثقافي”.
وذكّرت سلوم بالقانون الصادر عام 2024 الذي يهدف إلى تمكين وزارة الإعلام من مواكبة التطورات الحاصلة في الأنظمة والأدوات الإعلامية والإدارية حول العالم وتفعيل دورها بشكل أمثل، وخاصة في ظلّ ما يشهده القطاع الإعلامي من توسع وتطور وتغيير متسارع: “هو قانون يضع الوزارة في صلب دورها من ناحية تعزيز ربط الإعلام بالمجتمع وإنتاج خطاب وإعلام وطني يستند إلى تاريخ وخصائص الشعب السوري وملتزم بقضايا الوطن والمواطن وضمان حق المواطن بالحصول على المعلومة والخدمات الإعلامية وحرية العمل الإعلامي والتعبير عن الرأي في وسائل الإعلام الوطنية وربط الإعلام بالمجتمع بما يعزّز الهوية العربية والوطنية والتنوع الثقافي”.
ورأى مدير المركز الثقافي العربي عمار بقلة الذي أدار الندوة أن “الإعلام الإلكتروني يقدّم محتواه بعيداً عن قيود المساحة والزمن بطريقة مرنة تجمع بين النص والصورة والصوت، وهو يتميّز عن الإعلام التقليدي بكثرة المستخدمين وسهولة الوصول وقلة التكاليف واختراق الحواجز المكانية والزمانية والتنوع في المحتوى، لكن في المقابل له العديد من السلبيات، أولها عدم المصداقية في بعض الأحيان وغياب الضوابط والتعدي على القيم بكل أشكالها، وانتهاك حقوق النشر والملكية الفكرية والخصوصيات، وهذا ما استوجب ضرورة ضبطه وسنّ القوانين التي تضمن الحقوق وتحمي المجتمع”.