صالح هواري: أنتمي إلى زمن الشعر المقاوم وكثير من النقاد مواربون
هويدا محمد مصطفى
ينتمي الشاعر الفلسطيني صالح هواري إلى القصيدة التي تعبّر عن واقعية الحدث بتشكيل جمالي وصور شعرية ذات دلالات إيحائية، ويكتب القصيدة العمودية والتفعيلة، وفاز بجوائز شعرية عديدة، وله الكثير من الإصدارات، نذكر منها “الدم يورق زيتوناً” و”مرايا الياسمين” و”فلسطين يا حبيبتي” و”قطاف المحار”، كما يتميّز بقصائده للأطفال، إذ استطاع بثّ روح القصيدة بشكل غنائي ومسرحي، ومن أعماله الطفلية “هنادي تغني” و”هديل الحمام”، ولديه قيد الطباعة مسرحية للأطفال بعنوان “الصياد والشبح” و”الميزان الأعرج”، ويشغل حالياً مقرّر جمعية الشعر في اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين.
ويعدّ هواري أن القصيدة هاجس مضمر يراود نفس الشاعر في كلّ لحظة من لحظات حياته، فنراه يهجس وهو سائر في الطريق، ويهجس وهو نائم، إلى أن تأتي اللحظة المناسبة ليمسك فيها القلم، ويقبض على حلمه الهارب، ويفرغ ما في نفسه من شحنات إيحائية، وهنا يتدخل أزميل اللغة ليجسّدها صوراً ومعاني وعبارات تتوهج بألق شعري.
وحول الكتابة لمسرح الطفل يقول: “بوصف الطفل إنساناً فطر بطبعه على حب التمثيل والحركة واللعب، من حقنا إشباع هذا الطموح، وأن يكون له مسرح خاص فيه ويشارك بعروضه بما يمتلكه من قدرات إبداعية هائلة”، ويتابع: “وزارة الثقافة وما قدّمته من عروض مسرحية عن طريق مسرح العرائس لم يكن كافياً لتشكيل مسرح طفلي جاد، ولم تتبلور فكرة المسرح الطفلي إلا في مهرجانات الطلائع التي تقيمها، وهناك عوائق لحركة مسرح الطفل كانت سبباً لظلم الطفل مسرحياً، ومنها قلّة الكتّاب المتخصّصين بالكتابة المسرحية للأطفال، والافتقار إلى صالات العرض، والمطلوب من وزارة الثقافة مواصلة أعمالها المسرحية الطفلية ليبقى الأطفال على صلة تامة بطفولتهم”.
أما رسالته للأطفال من مجموعته “عصافير بلادي” فهي كما يبيّن: “هذه المجموعة رمز لأطفال بلادي وبراعمها التي تتربى على الحب والعلم والتضحية وفيها مواضيع متنوعة، وكلها تؤدي إلى هدف تربوي ذي قيمة سامية وبأسلوب مشرق العبارات واضح المعاني”.
أما نظرته إلى العلاقة بين الشاعر والناقد والقصيدة فيوضح هواري: “يجب أن يمتلك الناقد الحصيفة الذي يقبل على نقد الشعر من الشعرية ما يضاهي شعرية الشاعر، لأنّه يحمل مسباراً نقدياً ثاقباً يدخل إلى جوهر النص للتنقيب عن آثاره الإيجابية والسلبية، وما نقّاد اليوم إلا أشخاص يدلون بآرائهم وانطباعاتهم كما يتهيأ لهم ذوقهم الذاتي، ولكي يكون النقد بنّاءً يجب ألّا تتدخل العلاقة الشخصية بينهما وكثير من النقاد يواربون بآرائهم وينحازون إلى صاحب النص فيمدحونه وساحتنا الثقافية تفتقر إلى نقاد حقيقيين يقولون الصحيح ولا يجاملون”.
ومازالت قصيدة الومضة هي شكل من أشكال الحداثة والتجديد والتجريب الشعري -على حسب قوله- مجارية للعصر الحديث ويتابع: “هي لحظة خاطفة تمرّ في المخيلة يصوغها الشاعر بكلمات قليلة، معتمداً على تركيز عالٍ وكثافة شديدة، وليست كل قصيدة قصيرة جداً هي ومضة، فإلى جانب قصرها تشترط الكثافة التي تعود إلى الغموض والإدهاش الناتج عن المفارقة وقوة التصوير”.
وحول رأيه بالأغنية الوطنية ودورها في المعركة والقصائد المغنّاة في الإذاعة والتلفزيون بدمشق مثل أغنية “كل شيء للوطن” يقول: “الأغنية الوطنية تعدّ تعبيراً عن وجدان الجماهير الشعبية إزاء الأحداث والوجدان العربي كما نعلم مفطور على الغنائية، لذا فإن الشعر العربي كله شعر غنائي، سواء أكان مدحاً أم وصفاً أو رثاء، مثلاً رثاء جرير لزوجته “لولا الحياء لهاجني استعبار.. ولزرت قبرك والحبيب يزار”، هذه القصيدة على إيقاعها التفعيلي الغنائي تغنى، ولو كانت قصيدة رثاء، وللأغنية الوطنية السياسية دور كبير في تعزيز الوجدان الشعبي والشعور بالتمازج مع أرض الوطن، وتبرز أهميتها في اللحظات الصعبة والأحداث الحرجة، كما في الحرب على سورية وغزة، فهي تؤثر في نفوس الجماهير إلى المقاومة وكسر شوكة الطامعين الحاقدين”.
ويضيف هواري: “أنتمي إلى زمن الشعر المقاوم بشتى معاني المقاومة.. المقاومة بالسلاح، والمقاومة بالكلمة، المقاومة ضد الظلم، وكلّ ما هو سلبي ضد الإنسان، وما نكتبه من قصائد هو ترجمة حقيقية لواقع غير مقروء واقع مليء بالظلم ضد الإنسان، وعلينا نحن الشعراء المجابهة والتصدي لأعداء الإنسانية”.
وحول طقوس الكتابة وارتباط الشعر بالزمن والمكان يحدثنا هواري: “الشعر قبل أن يكون لغة هو إحساس، ولكي يستحيل إلى شكل فني يجب أن تفعل الصنعة فعلها في تجسيد الجوهر لتتولد الإيحاءات والرموز عبر لغة منبثقة من مخيلة خلاقة، ولكي تكون الكلمة شعرية يجب أن تنزاح عن مدلولها الحقيقي إلى مجاز، وليس للشعر مكان وزمان محددان، فهو ينبثق عفوياً في لحظات عفوية لا يدرك الشاعر متى تخرج القصيدة”، ويتابع: “ولكل شاعر طقسه الخاص في كتابة القصيدة، وما أن يولد أول بيت وهو الذي يحدّد شكل القصيدة لأتابع الاستغراق والإبحار والتفكير والتخييل”.
ويتابع هواري، متحدثاً عمّا إذا كان الشاعر يرتبط بمراحل العمر في كتابة القصيدة، موضحاً: “مع تقدم الشاعر في العمر تنضج ثمار تجربته الشعرية، ويراها بمنظار الحكمة المليء بالمعاني الإنسانية، وتبقى مشاعره متوهجة ولو بلغ التسعين من عمره، المهمّ أنه يشعر فيكتب، وأنا مازلت أكتب على الرغم من تقدمي في العمر”.