لإنعاش القطاعات الإنتاجية.. وصفة من أهل الخبرة والاختصاص إلى الحكومة الجديدة
دارين حسن
سجّلت يوميات المواطن السوري خلال سنوات الحرب معاناة لا سابق لها، بعد أن تردى واقع العمل كثيراً في العديد من القطاعات في كافة المحافظات، ومنها طرطوس المنتجة زراعياً وصناعياً وتجارياً، وزادت الحرب والحصار والظروف الاقتصادية الضاغطة من أعباء العمال والمزارعين والمنتجين وحتى صغار الكسبة، فتراجعت مشاريعهم وانخفضت دخولهم وصعبت معيشتهم وزادت همومهم وأوجاعهم. ومع استلام الحكومة الجديدة لأعمالها ومهامها كان لـ”البعث” لقاء مع بعض القطاعات للوقوف على التحديات ومحاولة إيجاد الحلول، إيذاناً بانطلاق عجلة الإنتاج وإقلاع دفة العمل على كافة الأصعدة.
دعم مستلزمات الإنتاج
رئيسُ اتحاد فلاحي طرطوس، فؤاد علوش، طالب بوضع سياسات وخطط عمل جديدة تتناسب مع خصوصية المحافظة التي تشتهر بتنوع محاصيلها، مؤكداً ضرورة دعم المزارعين بمستلزمات الإنتاج من أسمدة ومازوت زراعي ومراعاة صغر الحيازات، إضافة إلى اعتبار المحاصيل الرئيسية مثل الحمضيات والزيتون والبيوت المحمية محاصيل إستراتيجية.
زيادة الرواتب والأجور
أما رئيسُ اتحاد عمال طرطوس، أحمد خليل، فطالب بضرورة زيادة الرواتب والأجور بما يتناسب مع الأسعار الحالية، والاهتمام بمتمّمات الراتب وتعويضات العمال، ومنحهم بدلاً نقدياً عن اللباس العمالي، وإقامة المسابقات الوظيفية لكلّ مؤسّسة على حده، كون المسابقة المركزية لم تحقق الغاية المرجوة برفد القطاعات بالكوادر، والحدّ من المركزية ومنح الصلاحيات للإدارات لتستطيع القيام بواجبها، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها تسهيل وتبسيط أمور المواطن.
وأكد خليل ضرورة وجود الرقابة الوقائية لكافة المؤسّسات، حرصاً على المال العام وحماية العاملين من الوقوع بالخطأ، وتفعيل دور الدائرة القانونية في كافة المؤسّسات حرصاً على اتخاذ القرارات السليمة، والعمل الجاد لإنهاء بناء جامعة طرطوس، لما لذلك من تأثير إيجابي على العمال وأبنائهم.
كما دعا رئيس الاتحاد إلى ضرورة تأمين المستلزمات الطبية والأدوية للمشافي العامة، واختيار الإدارات وفق أسس ومعايير مدروسة، والتأني في اتخاذ القرارات التي تنعكس إيجاباً على عمل المؤسسات والمال العام، ودعم القطاعين الزراعي والصناعي وتوفير مستلزماتهما، وتأمين البنية التحتية للمشاريع والمواقع الأثرية السياحية في ظل توفر المقومات والمناطق المؤهلة للاستثمار السياحي.
تخفيض الضرائب
أما ما يخصّ مطالب الصناعيين والحرفيين، فقد لفت عضو مجلس اتحاد حرفيي طرطوس، منذر رمضان، إلى ضرورة إعادة النظر بالبلاغات التي تمّ إيقاف العمل بها، وإيجاد قرارات تسمح بفتح منشآت خارج المناطق والمدن الصناعية للمحافظات وفق واقعها وجغرافيتها لحين إتمام عملية الإحداث والتي قد تستمر لسنوات، والعمل على إيجاد موارد لرفد خزينة الدولة من استثمارات وصناعة وزراعة وسواها، لتصبح بديلاً عن رفع الضرائب بل تخفيضها للحدّ الأدنى المتاح لكافة الحرف والصناعات، لأن هناك أجوراً إضافية يتمّ دفعها من كهرباء لخطوط ساخنة بكلف عالية وسواها من أجور ملحوظة وغير ملحوظة، كي يتمكّن المجتمع المحلي من النهوض والمساهمة في إعادة بناء الإنسان والبنيان معاً، مشيراً إلى أن المنتج المحلي لم يعد قادراً على منافسة بعض المنتجات المستوردة لهذه الأسباب، ومن يدفع الفاتورة النهائية هم المواطنون بكافة شرائحهم وخاصة محدودي الدخل.
ولفت رمضان إلى ضرورة أخذ قرارات واضحة وجريئة، مع تقديم تسهيلات إدارية وضمانات قانونية ببنود واضحة لفتح معامل ومصانع ومنشآت منتجة تشجع أصحاب رأس المال بتوظيف أموالهم دون قلق، ودعم القطاع الزراعي بكافة أشكاله، والسماح بإحداث معامل في المحافظات، وخاصة بمنتجها من عصائر وكونسروة، وذلك لمساندة الفلاحين والمزارعين، وضمان استيعاب أي فائض وتحويله إلى منتج مطلوب لكافة الشرائح، مشيراً إلى عدم تعميم القرارات أو البلاغات ذات الصلة على كافة المحافظات كون لكل محافظة خصوصية إنتاجية وجغرافية مختلفة.
الدعم المنشود
وفي السياق ذاته، أكد خبير الإدارة واستشاري التدريب، عبد الرحمن تيشوري، ضرورة رفع الرواتب والأجور بنسب كبيرة ومجزية وعادلة بحيث تعود لليرة السورية قوتها الشرائية بما يوازي التضخم الجامح الكبير الذي أصاب الاقتصاد السوري، وإعادة الأولوية لبرنامج الإصلاح الإداري، والإفادة من المعهد الوطني للإدارة العامة وخريجيه الذين يعانون اليوم من التهميش والإقصاء في أغلب وزارات الدولة، لافتاً إلى أن تعافي الاقتصاد السوري يبدأ من دعم الزراعة والتصنيع الزراعي، إضافة إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
وأشار تيشوري إلى وجود خلل إداري كبير على مستوى أجهزة الإدارة والوزارات والحكومة والمحافظات أيضاً، ما حال دون تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية المستهدفة، موضحاً أن الحكومات المتعاقبة ابتعدت بقراراتها عن الناس الفقراء والفلاحين والموظفين والمنتجين، ما خلف كوارث اقتصادية نعاني من تبعاتها اليوم، علماً أن المؤشرات الاقتصادية في سورية تدلّ على عجز وفشل الحكومات السابقة في إدارة موارد المجتمع بالكفاءة المنشودة والمطلوبة.
ولفت تيشوري إلى ضرورة إعادة تقييم تجربة المعهد الوطني للإدارة العامة كونه تجربة عالمية، وذلك لجهة استثمار الخريجين وإعادة الحافز المالي لفهم التجربة وروحها، ومتابعة تنفيذ كلّ التعليمات الهادفة إلى حماية هذه التجربة، ولاسيما أنها انحرفت عن أهدافها الأساسية، وبالتالي لم تحقق الغاية المرجوة منها، داعياً الحكومة الجديدة إلى إعادة تقييمها وإعادتها إلى الطريق السليم والصحيح.
يحبو في بداية الطريق
وفي مشروع الإصلاح الإداري، رأى تيشوري أن المشروع ما زال يحبو في بداية الطريق ولم يأتِ بالأهداف المطلوبة، علماً أن السيد الرئيس بشار الأسد أشار إلى ذلك في لقائه الأخير مع الحكومة، داعياً إلى إعادة التفكير من جديد في هذا المشروع عبر شبكة واسعة ومتعمقة من الفعاليات السياسية والاقتصادية والإدارية والمجتمعية، والعودة إلى بنك المعلومات الذي يخصّ خريجي الجدارة القيادية وخريجي المعهد الوطني للإدارة العامة، علماً أن عدد خريجيه يتجاوز الـ٦٠٠ خريج، وتعيينهم تعييناً سليماً في الوزارات والإدارات وخاصة في المواقع والشركات الاقتصادية.
وأكد تيشوري ضرورة تطوير القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم ٥٠ لعام ٢٠٠٤ معتبراً أنه نسخة منقحة عن القانون رقم ١ لعام ١٩٨٥، وبالتالي لم يحدث تطوير بأنظمة العمل منذ أربعين عاماً، إذ كان قانون العاملين مقتلاً للكثير من الكفاءات لأنه يقيس مليوني موظف بمسطرة واحدة، وهذا غير منصف، والأجدر أن يكون لكل مؤسسة قانون خاص بها ينظم عملها، مشيراً إلى أن سورية بحاجة إلى قانون جديد يأخذ بعين الاعتبار كل التطورات الحاصلة، بما يحقق الإنصاف للعاملين في الدولة.