من الخسائر التكتيكية إلى السقوط الاستراتيجي
بشار محي الدين المحمد
ما زال العدو الإسرائيلي يصرّ على خوض حربه الغبية بحق الإنسانية وقوانين الحفاظ على السلم العالمي، بما في ذلك ضرب مقرّات وعناصر الـ “يونيفيل”، وصولاً إلى حرق الأطفال في خيم نزحوا إليها على الهواء مباشرةً، وهذا ليس بغريب على جيش حرب وضع استراتيجيات غريبة في اجتياحاته مثل “حرق الضاحية” و”سحق غزة” و”تجزئة الضفة”، انطلاقاً من مبدأ أن “كل فرد من الحواضن الشعبية هو هدف يجب ضربه”. وحتى اغتيال قادة المقاومة، يقدم عليه العدو عبر إصراره على استهدافهم في منازلهم مع أبنائهم وجوارهم ومئات الأبرياء كهدف أيضاً، ما يعزّز القناعة التامة بأن جيش حرب “إسرائيل” لم يَخُض حرباً عسكرية وفق قواعد الميدان، بل يصرّ على حرب “ديموغرافية” مبنية على ضرب الحاضنة الشعبية وتهجيرهم من مكان لأماكن أخرى متعدّدة.
على المقلب الآخر، نلاحظ تمسك المقاومة بضرب الهدف العسكري الصرف، رغم وجود نحو نصف مليون احتياطي بين “مدنيي” ذلك الكيان، وتقدّم نحو نصف نساء المستوطنين بطلبات “حمل سلاح”. وطبعاً المقاومة تصرّ على ذلك احتراماً للقانون الدولي، لطالما هي نابعة من ضمائر دول تدافع عن الحق والمبدأ قبل كل شيء، مهما تطرّف أعداؤها، وتالياً فإن استهداف تجمعات جنود العدو وتحركاتهم يضرب معنويات الكيان الصهيوني برمته ويشلّ حركة “التطوع” فيه وتنفيذ “المهام” بشكل أجدى من مساعدته في تمثيل دور الضحية أمام المجتمع الدولي، ولا ننسى هنا حركة “الأمهات الأربعة” التي قهقرت الكيان من أراضي جنوب لبنان عام ٢٠٠٠.
وبالعودة إلى مخطط هذا العدو، فهو يحاول إنشاء “بفر زونز” أو مناطق عازلة للمناطق العازلة، والسؤال: إلى متى، وأين سيتمدّد بإنشائها حول كيانه، وهل سيطيق حمايتها، أو حماية مستوطنيه الذين يزداد عدد مهاجريهم طرداً، ومنذ سنوات مع زيادة التطرّف السياسي قبل الإرهابي العسكري له؟
وبالطبع، لن نتطرّق هنا إلى فداحة الخسائر الاقتصادية والمالية للكيان وداعميه، وإن كان التعويض عنها مع التعويض عن خسائر السلاح يتمّ بشكل “لحظي” من مشغليه، لكن يمكننا التحدث عن “الجدوى”، فالمشغل الغربي بالنهاية يتبنى قواعده الرأسمالية، ولن يتحمل عقله المُخطِّط أن تكون الخسائر تفوق ميزان الدعم المقدم، ولا سيما أنه وصل درجة تسوّل الأسلحة للكيان ولأوكرانيا ولغيرها من جبهات الحفاظ على هيمنته المهتزّة؛ ناهيك أيضاً عن الخسائر التكتيكية الفادحة المتمثلة في قتلى وجرحى جيش حرب الكيان، والتي لا يلتفت إليها نتنياهو وحكومته المتطرّفة طمعاً في تحقيق “أهداف إستراتيجية”، رغم أن واقع حالهم يشي بحالة من “تضارب الأهداف”، وتغيير الاستراتيجيات مع فجر كل يوم وشرارة كل فشل ميداني، بالتوازي مع خلو بنك الأهداف المزعوم من أي “انتصارات”.
بعد كل ذلك، نطرح السؤال أيضاً: إلى متى يؤجّل الغرب قرار استئصال تلك البؤرة السرطانية المكلفة له على وجه الخصوص، والمحرجة لشعوبه وسياسييه أمام الأمم؟