الشاعر التونسي وليد السبيعي: قصيدة النثر ليست بالضرورة عنواناً للحداثة
هويدا محمد مصطفى
الدكتور وليد السبيعي شاعر وقاص وروائي من مدينة الكاف بتونس الخضراء، جمع ما بين مهنة الطب والأدب، لنجد من خلال قصائده مساحات جمالية متصلة بتجربة فنية ورؤية خاصة في ترسيخ المعنى عن طريق فضاء الحروف المكتنزة بالدلالة وفلسفة التأمل والانتماء للواقع الذي يدور في فلك القصيدة، له الكثير من الإصدارات، نذكر منها “الجنرال فارس” و”حنبعل” و”القرار الأخير” و”لست أرى في النساء سواك”.
ومن خلال هذا الحوار يأخذنا السبيعي إلى عالمه الإبداعي، إذ يرى أن لكل إنسان وقفة في حياته، يقول:
بالنسبة لي أنا وقفتُ شعراً
أنا شاعر لا يُصدق عبقرَ
أو فعل زير بوادي السباع
أنا شاعر كذَّب الشعراء الذين
استبَدُّوا بحرف مشاع
كما كذّب الأغنياء متى أعلنوا
ثورة من عيون الجياعِ
وعند سؤالنا عن مدى قرب نصه من الواقع ومتعاركات الحياة وتجسيد ذلك من خلال قصائده يجيب: “أنا على مذهب أنطونيو قرامشي في ذلك، فالمثقف بصفة عامة يكون عضوياً أو لا يكون، وعلى الأديب مغادرة البرج العاجي المزعوم، والنزول من علياء الوهم إلى قاع المحيطين به ليكون قاطرة تنتشل ما أمكن منهم وتجرهم إلى الأعلى، لأجل هذا الهدف جاءت مؤلفاتي تباعاً لتُشكل مشروعاً حضارياً متكامل الأركان فكان عملي “حنبعل الفرار الأخير” تشريحاً للتاريخ ودعوة إلى تلافي الأخطاء التي ظللنا نكرّرها وكانت “إلياذة تونس” تعريفاً شعرياً لناشئة اليوم بجذورهم من عليسة إلى الاستقلال وكان “كل النساء أنتِ” رداً على كل من رمى بالنقصان اللغة العربية ودعوة مبطنة إلى استعادة دورها كلغة للعلوم وكانت رواية “أنطالاس” دعوة إلى إعادة كتابة التاريخ الذي كتب بسردية المنتصر الشمال متوسطي”.
وعن مجموعته الشعرية “كل النساء أنت” التي كتب فيها قصيدة مؤلفة من ٥٠٠ بيت، يحدثنا: “هي قصيدة ديوان على روي النون، ومؤلفة من ٢٢ مقطعاً، وكل مقطع له معجمه الخاص، هي بمنزلة التجربة العلمية التي تثبت علوية اللغة العربية وقدرتها على أن تكون لغة علم في حاضر زمننا، وهي على البحر البسيط وهو بحر جاهلي بالأساس”، أمّا بالنسبة إلى وجود أدب متمرد فيقول: “قد يكون للأدب دوافع داخلية نفسية تدفع الكاتب أو الشاعر لإعلائها أدباً في نوع من التشافي، وما طلب العلاج إلا تمرد من المريض، وقد تكون الكتابة نتاجاً لوعي بضرورة تغيير واقع سائد إلى منشود أفضل وهذا بطبعه لا يبدأ إلا بتمرد فكل الأفكار الإصلاحية العظيمة التي أثمرت لاحقاً بدأت غريبة في بيئتها، وهكذا كان الشعراء من الشنفرى الذي رفض ظلم القبيلة إلى جبران خليل جبران وأبي القاسم الشابي”.
وحول واقع الكتاب الورقي في ظل الكتاب الإلكتروني وكيفية تسويق أعماله، يؤكد السبيعي أنه منذ عقود والمواطن العربي بصفة عامة لا يقرأ وله أدنى عدد صفحات مقروءة في العالم، مضيفاً: “صار الكتاب الإلكتروني، اليوم، واقعاً لا يمكن التغاضي عنه، وعلينا الاستفادة من كونه متاحاً بسهولة لمقاومة العزوف عن القراءة، وخاصة لدى هذه الأجيال، فأن يقرأ شخص ما كتاباً إلكترونياً خير من ألا يقرأ شيئاً مع ما يمكن أن يمثله ذلك من بخس لحقوق المبدع، وبكل مرارة أقول إن سوق الكتاب قد لفها الكساد المُبير”.
يجمع السبيعي بين كتابة الشعر والقصة والرواية، لكنه يجد نفسه من خلال الشعر بقوله: “أعشق الشعر وأحب أن أكون شاعراً، لكن لأني أرى نفسي حامل مشروع إصلاحي، من واجبي العمل على وصول ما أدافع عنه من أفكار إلى أوسع جمهور ممكن، ولأن جمهور الشعر ضيق ونخبوي بالمقارنة مع جمهور الرواية والقصة فإني اضطررت اضطراراً إلى الكتابة في الأجناس الأدبية الأخرى”.
ويبدو أن هناك أوقاتاً ودوافع لتولد القصيدة في عالم السبيعي الذي يوضّح: “إن كان لكل قصيدة “سبب نزول” فإنّ الشّاعر مطالب بتحرير قصيدته منه وجعلها نصاً خالداً وخارقاً للزمان والمكان وخالداً فيهما، بهذا يجد كلّ منّا نفسه في أشعار السابقين، وأول لحظات الكتابة ثورة وانفعالات وموهبة الشاعر وآخرها صنعته ووعيه بما يكتب ولمن يكتبُ، وكل هذا تجلى في “المسافة صفر” آخر أعمالي الذي كان لغزة آخر أسوار الحرية في هذا العالم الأشعث الأغبر، غزة التي ما زالت تصدّ بدماء شعبها الأعزل مغول هذا العصر”.
يكتب السبيعي القصيدة العمودية، لكن له رأيه في قصيدة الحداثة، يقول: “بعيداً عن التعصب بين أنصار المذاهب الثلاثة، لنتفق أولاً أن الحداثة لا علاقة لها بالشكل، فالعمودي والحر والنثر هي مجرد أوعية لا غير، إنما الحداثة هي في الصورة الشعرية والمضمون، فقد تكون القصيدة العمودية حداثية وقد تكون غير ذلك، فالعديد من شعرائها ما يزال يصرّ على سلفيتها، فتجده “يُرسكل” أشعار الجاهليين ويكتب شعراً مليئاً بغريب اللفظ مما شاع على الألسن أيام الشنفرى، كما أن قصيدة النثر ليست بالضرورة عنواناً للحداثة، وأنا أراها أصعب الأنواع كتابة حيث تكتسب الإيقاع داخلياً في الصورة فقط فلا وزن ولا قافية، واليوم أصبحت قصيدة النثر مطية يركبها كل من هبّ ودبّ وعجز عن أوزان الخليل، فضجّت الساحة الشعرية بإسهال في ما يقدم، اليوم، على أنه قصائد نثر والحال أنه ليس شعراً من الأساس، ولا يمكن لمن لا يملك زاداً كبيراً أن يكتب قصيدة النثر، ولا يمكن لمن لم يقرأ بيان الحداثة ١٩٧٩-١٩٩٢ لأدونيس أن يكتب قصيدة النثر”
ويبدو أن التراث والتاريخ يأخذ حيّزاً من أعماله، يوضّح: “لا حاضر لمن لا تاريخ له ولا أصل لمن يجهل تاريخه، ولإصلاح الحاضر لا بدّ من استقراء التاريخ وأخذ العبرة منه، وإلا سنبقى نكرر ذاتَ الأخطاء في شكل مسخر”.