عملية قيسارية.. رسائل ودلالات
د. معن منيف سليمان
يوجّه حزب الله عبر استخدام المسيّرات رسائل بليغة جداً، يقول فيها إنه بدأ مرحلة جديدة في استخدام هذا السلاح على أوسع نطاق، بهدف جعل الكيان الصهيوني يفقد الأمن في كامل مستوطناته، ولتذكيره بأنه يستطيع أن يصل إلى أهداف أكثر حساسية، أي أن جميع الأهداف الحيوية يمكن أن تكون عرضة للاستهداف، بما فيها منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية.
حالة من الرعب تنتاب الحكومة الإسرائيلية بعد أن استهدفت طائرة مسيّرة أُطلقت من لبنان منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في قيسارية، ليتفاجأ العدو الإسرائيلي بوصول تلك الطائرة إلى منزل “نتنياهو” وتصيب المنزل بشكل مباشر.
هذه المسيرة ربما لم تقم بمهمتها النهائية، لكن مجرد وصول الطائرة لمنزل “نتنياهو” أثبت للحكومة الإسرائيلية أن “نتنياهو” ليس بعيداً عنهم، وأن اغتيال قادة المقاومة في لبنان وفلسطين، ما هو إلا وقود جديد لإشعال بارود صواريخ وطائرات المقاومة المسيّرة تجاه العدو الإسرائيلي.
وعليه، فإن استهداف منزل رئيس وزراء الكيان المحتل سيدخل الحرب مرحلة جديدة، تكشف قدرة المقاومة اللبنانية على الاختراق، وكانت المقاومة اللبنانية أعلنت الخميس الماضي أنها بصدد “الانتقال إلى مرحلة جديدة وتصاعدية في المواجهة مع العدو الإسرائيلي”، ولم توضح المقاومة اللبنانية تفاصيل هذه المرحلة، لكنها قالت إن “مجريات وأحداث الأيام القادمة ستتحدث عنها”. ويومياً تردّ المقاومة اللبنانية بصواريخ وطائرات مسيرة وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومستوطنات، وبينما يعلن الكيان جانباً من خسائره البشرية والمادية، تفرض الرقابة العسكرية تعتيماً صارماً على معظم الخسائر، وفق مراقبين.
وتؤكد العملية التي قامت بها المقاومة اللبنانية أن الأمن في الكيان بات مفقوداً، لأن المسيّرات التي تستخدمها المقاومة اللبنانية استطاعت أن تخترق السيادة الجوية الإسرائيلية وتجتاح أجواء فلسطين المحتلة بشكل لافت ومفاجئ. ويعدّ نقطة تحول في سير الحرب متعدّدة الجبهات التي يخوضها الكيان الصهيوني، وتشكل رسالة رمزية من الحزب بأنه بإمكانه الوصول إلى “نتنياهو” وكلّ مسؤول سياسي وعسكري في الكيان، خاصةً وأنها تأتي بعد حوالي أسبوعين من تفجير قاعدة لواء “غولاني” جنوبي حيفا بمسيرة أطلقتها المقاومة اللبنانية.
وتعليقاً على ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مصادر مقربة من ديوان رئيس الوزراء بأن الحديث يدور عن محاولة اغتيال “نتنياهو”، تساءل البروفيسور “أميتسيا برعام”، الخبير في شؤون الشرق الأوسط: “المسيّرة المتفجرة، هي رسالة رمزية أم نية حقيقية لإيذائه بشكل مباشر؟”.
ووصف “برعام” في حديثه لصحيفة “معاريف” هجوم المقاومة اللبنانية، السبت، على مقر إقامة رئيس الوزراء، بأنه دليل على القدرة على الوصول إلى مناطق قريبة من منزل “نتنياهو”، وهذه رسالة رمزية لإظهار القدرة على الوصول إلى أي مكان.
وذكر الإعلام الصهيوني، أن جيش الاحتلال يحقّق الآن في فشل نظام صفارات الإنذار، بالإضافة إلى التحقيق في سبب عدم تمكن دفاعاته الجوية من اعتراض الطائرة بدون طيار قبل أن تضرب أحد أبرز الأهداف في البلاد.
وقال مراسل شؤون عسكرية في قناة “كان” الصهيونية، “إيتايبلومنتال”: إنّ “المقاومة اللبنانية تطوّر أسلوبها بإطلاق عدّة مسيّرات معاً لجعل الأمر صعباً على منظومات الاعتراض”، مؤكداً أنّ “المقاومة اللبنانية ترتقي في عملياتها درجة إضافية، وما جرى حادث دراماتيكي جداً”.
كما كتب “بلومنتال”، عبر صفحته في منصة “إكس”: “توثيق يثير الكثير من التساؤلات والشكوك هذا الصباح.. كيف تجاوزت طائرة بدون طيار مروحية قتالية تابعة لسلاح الجو الصهيوني كانت تطاردها، حيث تمكّنت إحدى المسيّرات من إصابة المبنى في قيسارية بشكلٍ مباشر”.
وفي هذا السياق أيضاً أكدت صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية، أنّ “قدرات الدفاع الجوي الصهيوني قصيرة المدى تعاني من بعض أوجه القصور الخطيرة”.
ويتساءل مراقبون ماذا سيقول نتنياهو؟ وهو الذي وعد بإعادة المستوطنين إلى مغتصبات شمالي فلسطين المحتلة، واليوم هو عاجز عن حماية منزله، بل إن مكتبه يرفض الإفصاح عن مكانه الذي يختبئ فيه.
وفيما يتعلق بالتحدي التكنولوجي، أشار المحللون إلى أن المسيّرات لديها بالفعل ميزات متطورة، فهي أبطأ وتغيّر مسارها، ولهذا السبب لا تتمكن الدفاعات الجوية من اعتراض الغالبية العظمى من المسيرات التي تطلقها المقاومة اللبنانية على الكيان.
إن “نتنياهو” الذي ظهر بمظهر المنتصر بعد اغتيال الشهيد يحيى السنوار ومن قبل الشهيد السيد حسن نصر الله وكأنه يعتقد أن اغتيال القادة سيغتال فكرة المقاومة، فاته أن اغتيال قادة المقاومة يصنع مقاومة أشد وأشرس من قبلها، فمن نسل كل قائد تمّ اغتياله في المقاومة، سيولد ألف مقاوم جديد لمقاومة الاحتلال، والدليل استهداف منزل “نتنياهو” عقب اغتيال السنوار بأقل من 48 ساعة، فيجب على الكيان أن يراجع حساباته جيداً والتفكير في كيفية زواله القريب.