ثقافةصحيفة البعث

تكريماً لروح الراحل عبد اللطيف عبد الحميد.. “نسيم الرّوح” في النادي السينمائي

ملده شويكاني

رنين الهاتف كان أحد أبطال فيلم “نسيم الروح”، الذي مرّ ستة وعشرون عاماً على إصداره، وما زال حتى الآن يترك أثراً إيجابياً لدى المشاهدين، ولاسيما بعد رحيل المخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذي قدّم هذا الفيلم من تأليفه وإخراجه وإنتاج المؤسسة العامة للسينما في عام 1998.
وعُرض الفيلم في جلسة النادي السينمائي بالتعاون بين “مؤسسة أحفاد عشتار” برئاسة د. أيسر ميداني والمؤسّسة العامة للسينما، وإشراف الكاتب والمخرج وليم عبد الله، في سينما الكندي تكريماً لروح الراحل ولمسيرته الفنية الحافلة بأجمل أفلام السينما السورية في وقتنا الحالي، فمن “نسيم الروح” إلى “خارج التغطية” إلى “قمران وزيتونة” و”مطر أيلول” و”طريق النحل” و”الطريق” و”الإفطار الأخير” وغيرها.
وثمة خيوط مشتركة بين هذه الأفلام، تتضح من خلال الروح الرومانسية الشفافة التي تطغى على قصص الحب، ومن اهتمام المخرج بالموسيقا وأغنيات الزمن الجميل، بالإضافة إلى اللمسات الإخراجية العاطفية وحضور شخصية المثقف، وما تتسم به من روح الفكاهة والمفاجأة الشائقة في اللقطة الأخيرة، فكان “نسيم الروح” صورةً عن مساره الفني الإخراجي الذي تتالى في بقية أفلامه وتطور وفق الزمن والحكاية والتقنيات.
وما زاد من جمالية الفيلم أداء البطل “سامر- بسام كوسا” مع “مريم- لينا حوارنة” اللذين شكلا خطاً أساساً بالحبكة بتصاعد وتيرة علاقتهما العاطفية الروحية بعد زواج “مريم” من الطرف الثالث “يوسف” الذي حاول شنق نفسه هرباً من حبّ “مريم”، فترضخ لرأي والدها وتتخلى عن حبّها لكي لا تكون أنانية.
ويعمل عبد الحميد على التماهي بين الحلم والواقع، كما يستخدم تقنية الـ”فلاش باك”، وفي هذا الفيلم بدأ بالحلم بكابوس يحلم به “سامر” بأن “يوسف” يقترب من “مريم” ليطلق الرصاص على صدرها، وينتهي بالواقع باقتراب “يوسف” من محل ورد، وتصويب المسدس لصدر “سامر” في الوقت الذي كان فيه يتحدث مع “مريم” على الهاتف بعد أن قرّر الابتعاد عنها، لتعيش حياتها الزوجية بهدوء.
والمفارقة هي أن مريم كانت قد اتخذت قرارها بالانفصال عن “يوسف” وطلب الطلاق، لكن كما قال “سامر” في المشهد الأخير “تأخرنا”.
ويتناول الفيلم شخصية “سامر” من جوانب متعدّدة، فهو عازف قانون ومولع بالموسيقار بليغ حمدي، ومحب لأصدقائه ويرتبط مع الجوار بعلاقات اجتماعية طيبة، والمحور الأساس كان بعلاقة الصداقة القوية التي ركّز عليها عبد الحميد مع جاره وصديقه “أبو صلاح” الذي أدّى دوره الفنان القدير سليم صبري ببراعة وقدرة على التأثير بالمشاهدين بدعمه المتواصل لـ”سامر”.
أقحم عبد اللطيف خطاً ثانوياً بوجود بائعة الورد الطالبة الجامعية -سلاف فواخرجي- التي تقع بغرام “سامر”، لكن هذه العلاقة لم تتطور وبقيت من طرف واحد، ولاسيما أن سامر يموت في نهاية الفيلم ويكون ضحية لتضحيته التي قدّمها.
والملفت أن سلاف فواخرجي كانت في البدايات، لكنها تمكنت من تأدية دورها برقة وشفافية.
كما يترك عبد الحميد مساحة لحرية الكاميرا بتصوير دمشق وحيّ المهاجرين -الجادات- مكان إقامة “سامر” بلقطات عدة تظهر الارتباط بالمكان، بالإضافة إلى صوت فيروز، ومشاهد صامتة تأخذ فيها الموسيقا التصويرية دور البطل.
وبعد العرض أوضحت د. أيسر ميداني رئيسة “مؤسسة أحفاد عشتار” أنه كان من المفروض أن يقدّم النادي السينمائي مهرجاناً عن أفلام عبد اللطيف عبد الحميد بالاتفاق معه وبحضوره، لكن القدر حال دون ذلك، فارتأت تقديم هذا الفيلم المميّز في مسيرته الفنية، تكريماً لذكراه، وأشارت إلى قيمة الصداقة النبيلة التي كانت إحدى رسائل الفيلم، ونوّهت بالأداء الرائع للأبطال، وعقبت بأنه خلال السنوات السابقة للنادي السينمائي زارت المخرج الراحل مع بعض الممثلين من أبطال أفلامه لجلسات النادي السينمائي، الذي يعمل على التركيز على الأفلام السورية التي تعرض غالبيتها بالمهرجانات فقط، ومن خطة النادي عرضها ونشر الثقافة السينمائية للأفلام السورية بالدرجة الأولى ومن ثم العربية والأجنبية، لزيادة الوعي الاجتماعي تجاه بعض المشكلات من خلال الحوارات الجماعية.
وتابع الكاتب والمخرج وليم عبد الله المشرف على النادي بأن الفيلم اختير ليمثل فترة التسعينيات البعيدة عن الحرب، هذه المرحلة اللطيفة بحياة السوريين ويقدّم صورة عن علاقات التآخي والمحبة بين الناس والجيران والأصدقاء، فكان الهدف تسليط الضوء على هذه المرحلة، مشيراً إلى اختيار عبد الحميد الكلاسيكية بالأزياء وتصفيف الشعر وفق ما كان سائداً.